القمر في القرآن بأنه نور يكسب نوره من ضياء الشمس ، والقمر عاكس ، فهو هنا القلب الذي يستمد نوره من شمس الروح ويعكسه على البدن باعتباره وسيطا وجسرا ، فالقلب هنا النفس التي تحدث عنها أرسطو فعرفها بأنها : كمال أول لجسم آلي طبيعي ذي حياة بالقوة ، ولما كانت كذلك فهي ليست إلها يعبد ، ولهذا انصرف إبراهيم عن نفسه إلى الشمس ، والشمس كما قلنا الروح ، أو العقل الفعال ، وهو كما عرفه السهروردي : أول قابل صدر عن الذات الصرفة ، وهو قابل من جهة فاعل في جهة ، فالشمس وإن كان ضياؤها منها ، إلا أن إشعاعها وصدور الحرارة منها والأشعة هو بفعل قوة فيها هي قوة الاسم الحي ، والحي من صفاته تعالى ، هذا بالنسبة إلى الشمس المرئية ، وضربت الشمس مثلا للروح القابل الفاعل ، لأن له أصلا هو الحق خالق الروح ، وإبراهيم عرج من الجسم إلى النفس إلى الروح ، ثم انصرف عنها جميعا ، ووجه وجهه للذي فطر سماء الروح وأرض العناصر.
٧٩ ، ٨٢ ـ (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢))
[الأنعام : ٧٩ ، ٨٢]
الأمن الإبراهيمي وصوله صلىاللهعليهوسلم إلى سدرة المنتهى حيث البيت المعمور بملائكة المعقولات ، وأمن إبراهيم ناجم عن كونه قد مر بكشف الصفات حيث اطلع كشفا ، وعرف إن الظل صنو النور ، وإن الصفات وأضدادها لله فالنار لها دور مثل النور ، بل هي النور الظاهر كما رآها موسى في الوادي المقدس ، فالله ما خلق نار الطبائع ، ونار التناقض والتضاد ، ونار الحجب إلا ليظهر نوره بها ، قال المنفلوطي في الحسد : لا يزال صاحب النعمة ضالا عن نعمته ، لا يعرف لها شأنا ، ولا يقيم لها وزنا ، حتى يدله الحاسد عليها بنكرانها ، ويرشده إليها بتحقيرها والغض منها ، فهو الصديق في ثياب عدو ، والمحسن في ثياب المسيء.
وهذه النظرة إلى الحسد تجعل المحسود في برد وسلام من النار التي سلطها عليه الحاسد ، وتذكرنا بالنار التي ألقي فيها إبراهيم فكانت بردا وسلاما عليه ، هذا على مستوى التأويل والمنظور الباطن.
٨٣ ـ (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣))
[الأنعام : ٨٣]