الحجة الإلهية المعرفة اللدنية الذوقية التي يؤتاها الإنسان المجتبى ، فإذا هو متخلق بالأخلاق الإلهية ، فاعل بالله ، يغضب لله ويرضى بالله ، ولهذا ختمت الآية بالقول إن ربك حكيم عليم ، والخطاب موجه إلى محمد ليعلم أن ما يعاني منه إنما هو بهدف جلو مرآة القلب ومعرفة معادن الناس وأخلاقهم.
٨٤ ، ٨٧ ـ (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧))
[الأنعام : ٨٤ ، ٨٧]
العائلة المقدسة ، وصورتها المائدة المستديرة التي أنزلها المسيح على الحواريين ، ورب هذه العائلة الروح القدس ، أو العقل الأول ، ثم العقول الشريفة ، ثم النفس الكلية وأسماؤها ، ثم تعينات هذه الأسماء من النفوس الجزئية ، ثم الوسائط المدركة من جهة ، وبين النفس والعالم الحسي مع الحواس المدركة من جهة أخرى ، فهذه كلها الشجرة المباركة.
والأسماء الواردة في الآيات تمثل هذه الشجرة وتسميها ، فمن الممكن أن يكون إسحاق ويعقوب ولدا إبراهيم رمزي عاقلتيه النظرية والعملية باعتبار إبراهيم الإنسان الكامل ممثل النوع ، أما نوح فهو التعين الأول لجمعية الأسماء ، فهو مثل آدم صاحب الجمعية الأسمائية ، وقد يكون داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون الحواس المدركة بعد أن صفت وشفت وانجلت فضاء فيها نور الزيتونة المباركة ، وزكريا في علم الإشارة العقل النظري بعد أن أتم تحصيله من علوم الفكر ، أما يحيى وعيسى وإلياس فهم روح القدس الذي نادى العقل النظري من باطنه وقال له انتبه فها أنذا موجود أوحي إليك ، كما نادى روح القدس مريم من تحتها قائلا لها : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم : ٢٤] ، أي نهرا من العلوم الإلهية.
والمهم أنه لا يوجد خارج هذه العائلة الوجودية الجامعة شيء حتى وإن وجد الكافرون والمشركون والمنافقون ، إذ أن كل مخلوق مظهر من مظاهر الأسماء كما أسلفنا القول ، والناس جميعا هم أوراق هذه الشجرة الجامعة ، ومن هذه الأوراق الخضر والصفر واللينة والغليظة ، قال سلطان العارفين : من تبرأ ممن أظهر عداوته لله فليحذر من تبريه ، فإنه يتبرأ من اسم إلهي ينبغي عليه تعظيمه ، أما المفكرون الفلاسفة والعلماء فهؤلاء بمثابة أغصان هذه الشجرة التي تصل الأوراق بالساق ، وتبقى الأنبياء والأولياء من أعلام الصوفية ثمار الشجرة المباركة التي تؤني أكلها بإذن ربها ، وفي الحديث : (أن الله ليبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها).