النفس الواحدة النفس الكلية ، وهي شاشة الله لعرض صورة المعقولات وهي لطيفة لأنها من نور ، وهي محل النور باعتبار ظهوره ، والمستقر استقرار النفس في الجسم باعتباره حاويا لهذا النور ، والمستودع ما استودعت النفس من العلوم التي ركزت فيها بالقوة فهي تعطي ما عندها بمجرد فض بكارة رحم الطبيعة المادية.
٩٩ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩))
[الأنعام : ٩٩]
الماء العلوم النازلة من لدن العليم الحكيم ، والنبات الخارج أشجار العلوم الغيبية الروحانية الباسقة في سماء الروح ذاتها ، ولهذا خرج من ماء العلوم كل ما هو خضر أي إشارة إلى الحياة ، وفصلت الصوفية القول في الخضر الذي هو مقام إلهي ، وسمي تعينه العبد الصالح وسيأتي الحديث عنه في موضعه ، وهذا المقام هو الذي أوحى إلى الأنبياء والأولياء العلوم التي ظلت رقاب العباد لها خاضعين ، ويكفي أن يقرأ الإنسان الفتوحات لابن عربي ، والإحياء للغزالي حتى يرى نتاج هذه العلوم وقد أشير إليها بالحب المتراكب وطلع النخيل وجنات الأعناب والرمان والزيتون ، والملاحظ في هذه التشابيه أن منها ما يكون له قشر ولب ، ومنها ما يكون لب كله أو قشر كله ، وقشرة بمثابة اللب ، والإشارات كلها إلى الحقيقة الجامعة بين الحق الذي هو اللب من كل ظاهر ، والخلق الذي هو بمثابة القشر لهذا اللب.
فلا فصل بين الظاهر والباطن ، أو بين الخلق والحق عند محققي الصوفية وأنبياء التوحيد ، إذ أنه سبحانه خلق الخلق ليظهر صفاته فيه وعلومه ، أما الصفات فهي ما أشير إليها في الآية بالمشتبه فهي ورق الأعناب والزيتون والرمان ، وأما الحقيقة التي ظهرت بها هذه الصفات فهي ثمار الأشجار ، ولقد سبق أن وصفنا الشجرة الجامعة وكيف أن الوجود هو هذه الشجرة الجامعة.
١٠٠ ـ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠))
[الأنعام : ١٠٠]
الجن الصوت الخفي ، ومن معاني فعل جنّ ستر ، يقال جن الليل ، ومن الصوت الخفي الوسوسة ، والوسوسة لها قصد الدفع والتحريك كما أسلفنا القول.
(وَخَرَقُوا) اختلفوا ، والبنون الفواعل من كل ظاهر ، والبنات القوابل ، علما أنه مامن ظاهر حتى الإنسان إلا هو قابل من حيث كونه أداة لا غير ، وكونه عرضا قائما بالجوهر ... ولئن فعل