فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩))
[الأعراف : ٨ ، ٩]
الموازين الأسماء الجامعة قبل الفض وبعده ، فقبل الفض الميزان واحد قال تعالى فيه ووضع الميزان ، وبعد الفض الميزان موازين لأنه من اسمه تعالى الله ، أو كما تقول الصوفية الهو ، ومنه تصدر الموازين كافة أو تشع ، وهو هو ، وهي هي ، وهو هي هوية ، وهي هو هوية ، بمعنى أن موازينه ملكيه صادرة عنه ، مشيرة إليه ، دالة عليه ، سئل الإمام جعفر الصادق : ما الدليل على وجود الله؟ قال : ما بالخلق من حاجة إلى أكثر ، فالعين لا ترى جمالا ، والأذن لا تسمع لحنا إلا ويهتف القلب الله الله ، لأنه سبحانه الجميل من كل ظاهر.
والموازين الثقيلة إشارة إلى رجحان كفة الجمال والخير والحق والعدل على الموازين الخفيفة وهي القهر والبطش والانتقام ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : (ورحمتي سبقت غضبي) ، وكلاهما له وجود ، ووجود أحدهما ضرورة للآخر كما أوردنا قول الغزالي في ختام السور السابقة.
والتعينات الأسمائية محكومة بنوعية الموازين هذه ، ففي الحديث القدسي جاء : (أنا الله ، لا إله إلا أنا ، خلقت الشر وقدرته ، فويل لمن خلقت له الشر ، وأجريت الشر على يديه) ، فهذه إرادة علوية إلهية اقتضت خلق الجنة وأهلها ، والنار وأهلها من قبل نشر الصحف الوجودية ، فإن قيل فأين العدل فالجواب كما قلنا هو لدى الإمام الكبير.
١٠ ـ (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠))
[الأعراف : ١٠]
تمكين الإنسان مكانته بين المخلوقات ، فالإنسان مخلوق إلهي بمعنى أنه اصطفي من بين المخلوقات ليكون قلبه عرش الله ، ويكون حاملا للأمانة الإلهية الممثلة في الأسماء وعلومها.
والمعايش ما يكون به العيش ، والقصد الأول من العيش استمرار الحياة لتحصيل العلم ومعرفة الله ، وعليه فالمعايش ما في الوجود الحسي من حسيات لها دلالات عقلية ، فالحسيات من جميع الأنواع ذات بواطن عقلية هي معايش الإنسان ، والأرض البدن ، والتمكن فيه التصرف في الحواس ، وهي قسمان محركة ومدركة ، وللحيوان الحواس المحركة والمدركة ، وفضل الله الإنسان على الحيوان بالنطق والتمييز ، وهذا هو التشريف الإلهي للإنسان الذي هو خليفة الله في أرضه وسيد المخلوقات.
١١ ، ١٢ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢))
[الأعراف : ١١ ، ١٢]