الشطر الآخر من الأسماء وهي ذات الجلال ، فعرف حقيقة التضاد ، وشهد أن لا إله إلا الله.
٦٤ ، ٦٥ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥))
[الأنفال : ٦٤ ، ٦٥]
لما كان النبي يدعو إلى الإسلام فإن فريقا معينا من الناس هم الذين اتبعوه ، وهؤلاء هم المؤمنون ، ويمثلون شطر أسماء الجمال ، وعند ما علم الله عدد هؤلاء ، وما كان كان ليجهله ، قال لنبيه : (حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : الأية ٦٤].
٦٦ ـ (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦))
[الأنفال : ٦٦]
قوله : (الْآنَ) من القضايا التي أثارت جدلا عظيما في الفلسفة ومذاهب علم الكلام والفرق ، فأرسطو وأفلاطون نزها الله عن مشكلة العلم والمعلومات ، وقال أرسطو : إن الله لا يعلم الجزئيات ، لأن الجزئيات تدخل في فلك التطور المتعلق بظروف الزمان والمكان ، فعلمها إذن متغير أيضا ... ولما كان الله يمثل الثبات وعدم التغيير فعلمه متعلق بالكليات الخالدة فقط ، ولهذا قال إن عمل الله التعقل ، وإنه لا يعقل إلا ذاته ، أما أفلاطون فلأنه وجد العلم عرضة للتغيير أيضا فلقد نزه الله عنه ، ولم يصفه إلا بأنه الخير فقط.
وعالجت الصوفية المسألة وفق كشوفهم ورؤياهم ، فقالوا إن هناك العلم المجمل وهو علم الكليات ، والعلم المفصل وهو علم الجزئيات وإن العلم الإلهي يمثل كليهما معا ، وسنحاول نحن شرح حقيقة هذه القضية ، خاصة وإنه جاء في كتاب الله أن هناك نوعا من العلم الإلهي متطورا كما جاء في هذه الآية القائلة : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً).
وأصل المسألة علم الكليات ، وهو العلم الإلهي المكنون قبل فتقه من قبل عالم الجزئيات ، وهذا العلم ثابت خالد كاتفاق الناس على أن العدل أساس وهو الأصل وله الملك.
أما بعد التطبع أي هبوط آدم وزوجة من الجنة فلقد تعينت الأسماء ، ومثلت الناس هذه العيون فكانوا أعيانها ، ولما كانت العيون متقابلة ومتضادة كان التناقض نصيبها من الوجود ، ففتق التناقض جواهرها إخراجا لمقتضياتها المكنونات.
وجوهر التناقض أو الصراع هو الذي يقتضي التغيير ، وهذه القضية عالجها الفلاسفة المثاليون الألمان مثل شيلنغ وهيغل ، فقال شيلنغ إن الموضوع يقابله نقيض الموضوع ، والنتيجة تركيب جديد ... أما هيغل فقال إن الموضوع يقابله نقيضه ، والنتيجة إخراج صفة الموضوع.