يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦))
[يونس : ٣٤ ، ٣٦]
على الرغم من كل الدراسات الحديثة التي قامت بها العلماء والأطباء لمعرفة كيفية استجابة الأعصاب للأمر العقلي إلا أن هذا الأمر ظل سرا من الأسرار ، فالعالم كله ذو مبدأ عقلي ، ويفعل الإنسان ما يفعل وقد اعتاد فعله هذا ، ولكن دون أن يدرك عظمة سر التحريك العقلي للعصب ، حتى قال صوفي لعالم : أنت أكل الخبز لا تعرفه ، أنت لا تعرف كيف تبول ، فعند ما يريد الإنسان أن يبول فإنه يتهيأ ، ويعطي عقله الأمر للمثانة لتفتح ، فينفتح بوابها ، فيبول الإنسان ، أما ما جرى خلال هذه العملية فأمر ذو علاقة بالدماغ والتفكير ، ولقد ظل الدماغ نفسه وآلية التفكير مستعصيين على المعرفة والتحليل العلمي ، ولم يعرف حتى الآن كيف تنبه المراكز العصبية في الدماغ ، ولا كيف تختزن المعلومات فيه ، ولا كيف يتم ترميز هذه المعلومات التي وردت على شكل إشارات كهربائية في الخلايا العصبية.
ولما كان الإنسان قد مارس قواه هذه بالفطرة إلا أن السؤال يبقى هو : كيف يفكر الإنسان ، وكيف يتحول الفكر إلى عمل ، ولماذا وكيف تميز الإنسان عن الحيوان بالوعي ... وإذا كان عالم الحيوان ، بل وعالم النبات والجماد ، يحكمه قانون واحد كما تكشف الدراسات ، فمن هو واضع هذا القانون ، ومن هو منفذه ، ثم كيف اقتبس الإنسان قوة التفكير هذه وممن جاءته؟
أسئلة مالها من جواب إلا أن يقف الإنسان أخيرا أمام قوة كونية إلهية خلاقة دراكة فعالة ، لها الأمر ، وما يفعله الإنسان يفعله بوساطة هذه القوة ، فهو مستثمر لقوة وجدها فيه بالمصادفة ، وهو مع هذا غافل عن حقيقة كونه إنسانا واعيا ومخلوقا فاعلا ثانيا ، وكائنا جاء من عدم ثالثا ، ثم احتل هذه المرتبة السامية بين المخلوقات.
وفي عالم الصحافة كتبت ذات مرة أشيلا أو ستراند : كل امرئ يعلم أن الصوفيين واللدنيين يلحون كثيرا على الفكرة التي تقول إننا جميعا نرتبط ببعضنا بعضا ، وقال وولف ميسنغ تبدو مقدرتي على الرؤية في المستقبل مناقضة للتصور المادي للعالم ، بيد أن سبق العلم لا ينطوي على شيء لا يدرك أو خارق للطبيعة فإلى جانب المنهج العلمي والتطبيق لتحصيل المعرفة ، توجد أيضا معرفة مباشرة هي سبق العلم ، وذلك لأننا لا نملك سوى أفكار مبهمة حول معنى الزمان وعلاقات الزمان بالمكان ، وصلات الماضي والحاضر والمستقبل ، بحيث تبدو لنا تلك المعرفة في الوقت الحاضر غير قابلة للتفسير ، طبيعي أن حرية الإرادة موجودة ، لكن توجد أيضا محاور كبرى ، والمستقبل يتألف من متعاقبات عن الماضي والحاضر ، وثمة