جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))
[يونس : ٩٩ ، ١٠٩]
الآيات القاهرة التي تظل أعناق الناس لها خاضعين. فموضوع المشيئة عالجناه من قبل ، ودارت حوله مناقشات ومحاورات ملأت المجلدات فهل الإنسان هو الذي يشاء أم الله؟ وإذا شاء الإنسان فأين مشيئة الله ، وإذا كان الإنسان حرا يحس أنه حر ، وأنه يقف في كل موقف أمام مفترق طرق وعليه أن يختار ، فكيف يكون الله القاهر فوق عباده؟ ومتى يتدخل الله ويقف في وجه الإنسان ليحقق مشيئته؟ والسلسلة لها أول وليس لها آخر. فكل يغني على ليلاه ، أما المحققون المكاشفون ، وعلى رأسهم سلطان العارفين ابن عربي ، فلقد بتوا الموضوع وشرحوا معنى لا إله إلا الله ، ومعنى كونه القاهر فوق عباده ، وناصية الجميع في يده.
والحقيقة أنه مادام الإنسان القابل المخلوق لاستيعاب الفاعل ، ومادام هذا القابل سلبيا أصلا لاتصافه بالقبول أولا ، ولاتصافه بقيامه بغيره ثانيا ، فهو ليس إلا مرآة وآلة وأداة لتحقق الفعل ، كما سبق أن بيّنا هذا من قبل.
فمفترق الطريق الذي يقف أمامه الإنسان هو مصدر القهر على الحقيقة فخاطر يثبت وخاطر ينفي ، وخاطر يقرب وخاطر يبعد ، والكافر يعتقد بأن فكره فكره ، وأن قواه العقلية منه وبه خيالا وذاكرة وتجريدا وفتقا إلى آخر المنظومة العقلية التي تؤلف عملية التفكير.
ويبقى السؤال : كيف اكتسب الإنسان أنيته وهو مخلوق لا خالق ، وكيف يفكر الإنسان ويختار ويتخد قرارا وهو يجهل من هو ويجهل كيف يفكر وكيف يتخذ القرار. وتجد الناس إذا رأوا أحدا يأتي أمرا نكرا قالوا له : كيف فعلت هذا أليس لك ضمير؟ فما الضمير؟ وكيف يكون موجودا في إنسان ، ولا يكون موجودا في آخر؟
أما النبي صلىاللهعليهوسلم فقال في هذا الصدد : (القلب بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء) ، وقال : (أو ما يؤمنني أن القلب مثل ريشة في الفلاة تقلبها الريح كيف تشاء؟) فالنبي أنكر أن يكون للإنسان مشيئة أو إرادة ، ورد الأمر كله إلى الله. قال أنس : خدمت النبي عشر سنين فما قال لي عن شيء لم أفعله لم لم تفعله ، وكان إذا عاتبني أهله في شيء قال : (دعوه فلو قضي شيء لكان).
وتبعت النبي الصوفية الذين قالوا ما الإنسان إلا أداة. وذهب ابن عربي إلى أبعد من هذا حين شرح بلاثيوس المستشرق عقيدة ابن عربي القائلة إن الله سميع بصير عليم عن طريق استخدام الإنسان ، أي أن الله هو الفاعل في هذه الملكات التي هي منه وبه ثم هي له ، ولهذا