سورة هود
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ، ٤ ـ (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤))
[هود : ١ ، ٤]
كنا قد أوّلنا حروف الألف واللام والراء سابقا ، والتأويل الجديد الداخل في المعادلة هو للراء. ورأرأ ، لغة ، حرك حدقته وأحدّ نظره ، ورأرأت المرأة نظرت في المرآة ، ورأرأ السحاب لمع ، فهذا الحرف خاص بالرؤية. ولما كان حرفا الألف واللام خاصين بالفعل الإلهي ، بخروج الوجود العياني من الوجود الرحماني ، فالنتيجة كما قال سبحانه في الحديث القدسي : (كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني). فالخلق إذن مرآة الحق ، ولهذا رأينا في معاني فعل رأرأ نظر المرأة في المرآة ، والمرأة الأنوثة ، وهي إشارة إلى الأنوثة الإلهية صاحبة العطاء والأمومة والنسل. فالحق سبحانه مراياه الخلق ، ولما كان الخلق خلقا بلا خلق ، أي خلقا شبحيا متوهما كما ذكرنا من قبل شرح الناقد بلاثيوس لعقيدة ابن عربي فالنتيجة أن الحق هو الناظر إلى نفسه عبر المرآة. وقيل إن ما يراه المرء عبر النظر في المرآة إلى وجهه هو غير ما يمكنه رؤيته إذا لم تكن أمامه مرآة. فالحق إذا ظل تنزيها ، أي لا تعينا ، فهو نور خالص ، والنور الخالص يظل أحدا واحدا من غير أن ينظر إليه ، وقالوا في الرياضيات : إن العدد واحد لا يعد عددا لأنه أصل الأعداد ومبتدؤها. فالواحد إذن في حاجة إلى وجود متعين ليرى نفسه بنفسه ونحن نورد عبارة نفسه بنفسه أو ما يقال بلغة الفلسفة بذاته لذاته لأن الصوفية وعلى رأسهم ابن عربي أبوا أن يكون في الوجود كله عيانا وعينيا ، إثنان أو أكثر ، وقالوا : إن أصل الشرك الإثنينية ، ويصر ابن عربي كما بيّنا على أنه لا وجود إلا له سبحانه ، وأنه هو أحد واحد ، وأن هذه الكثرة في حكم الإعتبار والنسبة الإضافة ، أي هي مضافة إلى هذا الوجود فقط.
إذن كان الناظر هو سبحانه إلى نفسه بنفسه ، وهو الآن كما كان الناظر إلى نفسه بنفسه ، وذلك بعد أن بيّنا أنه ما من وجود حقيقي إلا له. وفلسفة إسبينوزا من ألفها إلى يائها تفسر كون الوجود إلهيا وإن تكثر ، وقال في معرض الرد على النقاد : أنا لم أهبط بالله إلى مستوى الطبيعة بل رفعت الطبيعة إلى مستوى الله.