ما خلق الله نور نبيك يا جابر). فالنور الأول القديم الظاهر هو الإنسان الكامل الذي هو الصورة الإلهية الباطنة الظاهرة.
وظهور نوح إنسانا يعني أنه مثل بقية البشر ، فباطن نوح مثل باطن إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى ومحمد. فهذا النور واحد يظهر في الأنبياء والأقطاب ، فيكون ممثل اسم الله العليم والبشير والنذير.
والبينة التي أوتيت نوحا هي اطلاعه كشفا على قدره عند الله وأنه لديه مكين ، وأنه في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وهذا الكشف يؤتى كل ظهور للإنسان الكامل ، وما أنزلت ليلة القدر إلا لهؤلاء الأعلام وفيهم.
وقول نوح لقومه إنه ليس عنده خزائن الله ، ولا يعلم الغيب ولا هو ملك ، يعني أن ظهور النور هو ظهور سلبي قابل مثلما كل المظاهر العيانية سالبة قابلة. فالنبي عليهالسلام على عظيم منزلته وقدره عند الله ، ما كان يعلم شيئا عن منزلته قبل نزول الوحي عليه ، كما أنه لم يكن يعلم شيئا من العلوم التي علمها بعد نزول الوحي ، ولقد خوطب من قبل الحق : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) [الكهف : ١١٠] ، فظاهر النبي ظاهر بشري ليس له من الأمر شيء ، والحياة كلها ظهور حياتي.
أما ما يقع لهؤلاء المصطفين بعد هذا فهو انتقال من السلب إلى الإيجاب ، ومن الإنفعال إلى الفعل ، أي من كون النبي قابلا إلى كونه فاعلا ، ومن كونه جاهلا إلى كونه عالما ، وهذا النقل هو ما يطلع النبي كشفا على منزلته القديمة النورانية عند ربه باعتبار الحقيقة بين منزلتين ، بين النور الفاعل والنور القابل ، أو بين الروح الفاعل والروح المنفعل ، أو بين النفس الإلهية والنفس الآدمية المخلوقة على صورة الرحمن. فوجها الحقيقة هما الحقيقة ذاتها ، فهو سبحانه المتجلي بنفسه لنفسه الظاهر بها له ولها به.
٣٦ ـ (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦))
[هود : ٣٦]
الوحي التكليم الذاتي للمصطفين ، وهو الصلة بين شطري الذات الفاعل والمنفعل. وعلى هذا فكل مخلوق حتى الحيوان والنبات والجماد يوحى إليه. ونجد في كتاب الله أن الله سبحانه أوحى إلى النحل ، وإلى أم موسى ، وهو القائل سبحانه : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [الشّورى : ٥١]. فالوحي العلاقة الحية بين الله والكائنات ، وهو سر القيومية والجبروت.