الحق ولا ظهرت الحقيقة ، وتقوى الله ألا يجعل معه إله آخر ، ومن اتقى الله وجده ، ولهذا قال سبحانه إنه مع المتقين ، وبقدر التقوى يكون القرب ، كما قال العارف بالله أرسلان الدمشقي : (ما صلحت لنا وفيك بقية لسوانا ، فإذا أفنيناك عنك صلحت لنا فاستودعناك سرنا).
١٩٥ ـ (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥))
[البقرة : ١٩٥]
الإلقاء إلى التهلكة الاستسلام لطغيان الحواس ، وأعقب هذا قوله وأحسنوا ، فمن اتقى ربه ، ولم يستسلم لطغيان حواسه ، وصل مقام الإحسان الذي هو رؤية الله ، أو كالرؤية ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تره فإنه يراك).
١٩٦ ـ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦))
[البقرة : ١٩٦]
الحج والعمرة القصد والسفر إلى الله تعالى ، والحصر يكون من قبل العدو ، فيكون المعنى الحيلولة بين المرء وقلبه وهو عدوان الحواس ، والمداواة تكون بذبح النفس ، أي التضحية بها ، أي تجاوز الأنا الجزئية إلى الأنا الخالصة ، أما إذا اشتكى صاحب الأنا رأسه ، أي حال بينه وبين التضحية بأنانيته حائل ، فإنه يعوض عن التضحية بالصوم أو الصدقة أو النسك ، والثلاثة أسباب لإتمام التضحية بالنفس عن طريق متابعة المعراج إلى سموات المعقولات وصولا إلى كعبة الذات ، وصوم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة أيام بعده ، والمجموع عشرة أيام ، هذا الصوم يكون بمثابة صوم حاسة من حواس الجسم التي مجموعها عشرة ، الظاهرة والباطنة ، وهذه الحواس جسور النفس إلى عالم المحسوسات ، فلا غنى عنها ، وهي مطية إن صلحت ، وبلاء إذا طغت.
١٩٧ ـ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧))
[البقرة : ١٩٧]
وقت الحج الدخول في الخلوة الضرورية للنفوذ من أقطار سموات الروح وأرض المادة ، والخلوة توجب اطراح العالم ، إذ في هذا الإطراح إسقاط لفعل الأسماء المزدوجة وتعطيلها تهيئة لكشفها ، فلهذا منع الحق العبد الرفث والفسوق والجدال.