الروح الذي يحفظ وليه في العالم السفلي. وامرأة العزيز هي النفس الحيوانية ، فرع النفس الكلية ، وباعثة الحركة في العالم المادي والإمكانات والقوى والنشاطات .. وتتميز هذه النفس بأنها أمارة لها جولة مع الروح الصغير الذي ألفته عندها وهو القلب في تقلبه ، فللنفس على القلب سلطان وهيمنة وهو في إبان تفتحه وفتق قوى عقله الهيولاني ... أي أن النفس هي بمثابة مهد القلب ، والدابة التي تحمله ، ولهذا قال لها زوجها الروح الكبير : (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً).
وقوله سبحانه : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) يعني ما كنا ذكرناه سابقا عن ضرورة هبوط ابن آدم من عالم المعقولات إلى أرض البدن لتبدأ عملية التعليم ذاتها. وذكرنا المراحل التي يمر بها هذا التعلم كما قالت الفلاسفة كالفارابي من تفتح العقل بالقوة إلى أن يصير عقلا بالفعل ، ثم ينتقل إلى مرتبة العقل المستفاد بعد أن يستفيد علما من العقل الفعال الذي هو الروح الكبير المعلم. فلا بد لابن آدم من أب هو الروح ، وأم هي النفس ، لكي يتم تعليمه ، ففي مرحلة الطفولة يستقبل القلب انطباعات المحسوسات من العالم الخارجي ، وفي مرحلة الشباب والرجولة يبدأ تجريد المحسوسات ، وفي مرحلة بلوغ الأشد أي قرب بلوغ الأربعين يبدأ التعليم الذاتي العرفاني حيث يستوي آدم على عرش العلم بأن يصير عالما بتأويل الأحاديث .. ثم تأتي المرحلة الأخيرة وفيها يصير العقل المستفاد عقلا قدسيا حيث تقابل الذات الجزئية الذات الكلية ، ويذوب الروح الصغير في الروح الكبير ، ويصبح القلب مرآة الروح ، وتفنى الأنا ، وتبقى الأنا الخالصة غير المتعينة ، فإذا عقل الإنسان عقل إلهي ملهم محدّث مسدد ، يعلم الناس حقائق التوحيد ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون.
٢٣ ـ (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣))
[يوسف : ٢٣]
قلنا : إن للنفس الحيوانية شعبين هما الشهوة والغضب وقلنا إن لها دورا في القلب لتحريكه. وثمة لطيفة في قوله سبحانه : (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها) إذ أن العالم كله بمثابة بيت النفس الحيوانية الحية ، والقلب الإنساني وديعة في هذا البيت أو ضيف بعد هبوطه من عالم الروح. وقوله : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) يعني سد جميع المسالك العلمية ما عدا المنافذ على العالم الخارجي ، وهذه المنافذ الحواس الظاهرة ، وعدت مثل الأبواب ... فعند ما يصير القلب في قبضة النفس فلا بد له من التعلم على يديها سواء تم التعليم عن طريق الخير أو عن طريق الشر ، إذ كلاهما سبيل إلى التعليم كما أوضحنا.