سورة النحل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١))
[النحل : ١]
أمر الله الروح الفاعل ، وهو صنو الحق ، وأول مخلوق ، وأول من يفعل في الكثرة ، وأمر الله هذا هو المطاع الذي ورد ذكره بعدئذ ، وفصل الكلام فيه الإمام الغزالي ، كما تحدثت عنه في كتابي «الإنسان الكامل» مبينا كيف يقوم الروح بالأمر وينفذه ، ويرد كل ذي حياة إليه ، فهو الكامل المحيط صاحب العرش.
٢ ـ (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢))
[النحل : ٢]
الملائكة الخواطر ، ولهذا وصفوا في موضع آخر بأنهم جند الله يفعلون ما يؤمرون ، والروح محرك الخواطر ذاتها ، فهو بمثابة قائد الجيش ، فكل أمر منه وبه ، والروح هنا هو الروح الجبريلي الذي نزل على النبي في الغار ، فغطه ، وقال له : (اقْرَأْ ،) ولما كان الروح الروح من كل ذي روح فإن التنزيل ذاتي جواني ، أي ظهور ما في الباطن ولهذا قلنا بالولادة الذاتية ، والتنزيل تنزيل على العبد المصطفى المختار للمكاشفة وحمل الرسالة وأدائها ، والقصد التوحيد والخلاص من التثنية التي يظل القلب أسيرها هي والثنوية حتى يأتي اليقين.
٣ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣))
[النحل : ٣]
الآية تشير إلى ذهاب الثنوية واضمحلالها ، وإلى أنه لا إله في الوجودين العيني والعياني إلا هو.
٤ ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤))
[النحل : ٤]
كون الإنسان خصيما إثباته وجودا هو الوجود الإضافي إلى جانب الوجود الإلهي الذي هو الوجود الأصيل.
٥ ـ (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥))
[النحل : ٥]
الإشارة ظاهرا إلى الحيوانات ، وباطنا إلى الجسم الكلي الذي يدرج فيه جسم الإنسان نفسه الحاوي لذاته الناطقة ، فهذا الجسم حامل محمول ، حامل للذات باعتبارها نورا محضا وباعتباره تكثف هذا النور ، ومحمول باعتباره أصلا نورا يتحرك بقوى النور ، ولهذا قال