الروح هو في الوقت نفسه الحامل للعالم المادي باعتباره صاحب القوى التي تنتشر عند تحويل طاقة ساكنة كالكهرباء.
فركوب البراق كان ضرورة للروح المحمدي ، لأنه من غير العالم المادي ما كان للروح أن يسير في الوقت نفسه ، وفي الحديث الشريف أن النبي لما وصل بيت المقدس صلى فيه ركعتين ، ثم خرج فجاءه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاختار اللبن ، فقال جبريل : أصبت الفطرة ... والمعنى أن الهدف من خلق العالم معرفة الله ، وإلا لما كان لله حاجة في خلقه ، ولقد أوّل النبي اللبن الذي شربه في منام رآه بأنه العلم ، فالنبي عليهالسلام اختار العلم على المحبة التي يرمز إليها عادة بالخمر كما هو معروف في الصوفية ، والعلم فوق المحبة ، لأن المحبة تقتضي وجود عاشق ومعشوق ، أي أنا وهو ، إلى أن تفضي إلى الاصطلام بفناء العاشق في المعشوق ، كما قال الشبلي في قيس بن الملوّح : هذا مجنون بني عامر ، كان إذا سئل عن ليلى ، يقول أنا ليلى ، فكان يغيب بليلى عن ليلى ، حتى يبقى بمشهد ليلى ويغيبه عن كل معنى سوى ليلى ، ويشهد الأشياء كلها بليلى ، أما العلم فهو يشمل المحبة ، ثم ينطلق في طريق التوحيد الذاتي الذي أشار إليه الحلاج لما لقي إبراهيم الخواص الصوفي ذات يوم فسأله عن حاله ، فقال الخواص أسوح في البراري لأحقق مقام التوكل ، فقال الحلاج أفنيت عمرك في عمران باطنك ، فأين الفناء في التوحيد؟
فالمحبة للباطن ، ولهذا عرفت النصرانية بأنها دين المحبة ، ولهذا قال المسيح عليهالسلام : أحبوا أعداءكم ... ثم جاء النبي محمد صلىاللهعليهوسلم ليتم الهجرة إلى الله ، وقلنا إن هجرته للعلم ، وكنا قد تحدثنا سابقا عن الكشوف الثلاثة الموسوي والعيسوي والمحمدي ، وقلنا إن محمدا أتم هذه الكشوف بالكشف الذاتي المعبر عنه بشعار لا إله إلا الله ، فالإسلام دين العلم ، وتجد الإمام الغزالي في «الإحياء» قد أفرد فصولا مطولة للحديث عن العلم وقيمته ومكانته وعن مكانة العلماء ... وإلى هذه الحقيقة جاء في الحديث القدسي (كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني) ، ولهذا عتب الحلاج على الخواص لوقوفه عند مقام التوكل دون أن يتم هجرته إلى الله ليفنى فيه.
وبعد فما رحلة العلم؟
في الحديث أن جبريل عرج بالنبي صلىاللهعليهوسلم أو معه إلى السماء الدنيا فوجد النبي فيها آدم عليهالسلام ، وجبريل هو الروح الأمين ، فهو روح محمد أو حقيقته المنفوخة من روح الله ، فالروح أول خلق الله ، ولما كان نور النبي أول خلق الله ، كان النبي جامعا بين الروح والتعين ، بين الباطن والظاهر ، بين العين والعيان ، فعروج النبي ذاتي ، أي من ظاهره إلى باطنه ، ومن عيانه إلى