عينه ، فماذا وجد في عينه؟ وجد آدم ، وقلنا آدم ممثل الجمعية الأسمائية ، وقلنا من معاني آدم الأدمة أي السمرة التي هي لون وسط بين البياض والسواء ، وقلنا آدم البرزخ بين عالمي الروح والمادة ، ولما كان آدم أبا البشر كان المعنى أن النبي علم أول ما علم مكانة الإنسان عند ربه ، وأنه خلقه ليكون جسرا بين عالمي الحس والروح ، فهذا مدخل إلى التعريف بالإنسان الذي خلقه الله ليتعرف إليه أولا ، ثم ليعرفه الإنسان بدوره ثانيا.
ثم عرج بالنبي صلىاللهعليهوسلم إلى السماء الثانية حيث لقي عيسى ويحيى عليهماالسلام ، ويحيى ممثل اسمه تعالى الحي ، وعيسى المسيح الممسوح بالنور ، والمعنى أن آدم الذي هو جسر بين المعقول والمحسوس يستمد حياته من روح روحه وهو الحق تعالى ، وهذا ما أشار إليه اللقاء باسمى يحيى والمسيح ، والاستنتاج أن الروح هو الحياة ، وأن ما في عالم الظاهر قائم بهذه الحياة الفعالة المسماة في القرآن القيوم.
ثم عرج بالنبي صلىاللهعليهوسلم إلى السماء الثالثة فلقي يوسف عليهالسلام ، ولقد أوتى يوسف شطر الحسن ، والإشارة إلى المعقولات الإلهية الجمالية التي تبدت في تلك الصورة الجامعة الجميلة ، فيوسف مقام فوق مقام آدم الذي هو جسر بين العقل والحس كما قلنا ، فإذا جاهد الإنسان مستثمرا إمكاناته بواسطة القوة الحيوية العيسوية النورانية وصل إلى التجريد الكلي الذي هو مجموعة الصور الإلهية كالخير والعدل والجمال والنور.
ثم عرج بالنبي إلى السماء الرابعة فلقي إدريس عليهالسلام ، وقيل إن إدريس من أنبياء التوحيد الأولين ، والإشارة إلى أن الإنسان متى أتم مرحلة التجريد نقله الله بالنور الكشفي إلى مرحلة التوحيد حيث يذوب الظلام في النور ، وتصير الظلمة صنو النور وظلا له ، فمقام إدريس البوابة والمدخل إلى علوم التوحيد.
ثم عرج بالنبي صلىاللهعليهوسلم إلى السماء الخامسة فلقي هارون عليهالسلام ، وهارون أخو موسى ، وهو الذي قال فيه موسى : اشدد به أزري وجاء في قصة موسى أنه كان به علة في لسانه كالعي لا تمكنه من أن يكون فصيحا في كلامه ، في حين اتصف أخوه بهذه الصفة ...
والإشارة إلى أن الموحد متى بلغ مقام التوحيد احتاج إلى صفة زائدة عن قوته الفكرية ليعبر بها عما رآه في مكاشفاته ، وهذه الصفة هي ما سماها ابن عربي الإملاء ، والإملاء خطاب إلهي نفثي هو أعلى درجة من الإلهام والوحي ، وهو ما يسمى التكليم الذي خص الله به موسى عليهالسلام ، فلو أن الحق ما أمد الإنسان الكامل بصفة الفصاحة والبلاغة ، ولا جعله أفصح لسانا من الناس ، لما تمكن النبي صلىاللهعليهوسلم من أن يجعل الرقاب له خاضعين لفصاحته ، قال الجاحظ في وصف فصاحة رسول الله صلىاللهعليهوسلم : عاب النبي التشديق وجانب أصحاب التقعير ، واستعمل