قراراته ، وبسبب هذه الحرية التي تترتب عليها المسؤولية قال سارتر : إن لم تعجبك حياتك فبدلها.
أما النظرة القرآنية فلها موقف آخر ... وفي هذه الآية والآية التي سبقتها فرق الناس فريقين ، كما أسلفنا القول ، فريقا ضالين وفريقا مهديين وعلى هذا فعباد الله المخلصون يعيشون الحوار الذاتي ولكن قرارهم يكون من نوع خاص ، نوع غيري مؤمن ، فالحرية التي تحدث عنها سارتر والمسؤولية التي ألقاها على عاتق الإنسان الحر هي وهم في نظر القرآن لأن الحرية والمربوبية لا تتفقان ، وهذا مادعا الفيلسوف كانط إلى القول إنه لم يستطيع أن يفهم سر لغز الحرية الإنسانية التي يحسها ويعيشها كل إنسان مع وجود قانون السببية الكوني الجبري.
فالقول بالاستقلال يؤدي إلى الفوضى وانتشار الآلهة في الأرض ، في حين أن الحكم لله ، وهو الواحد القهار ، وهو الذي فرق الناس فأعطى إبليس فريقا ، وتولى هو فريقا آخر ، وهذا هو جوهر التضاد الذي قلناه قبلا وليس ثم سواه.
٦٦ ـ (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦))
[الإسراء : ٦٦]
الفلك البدن ، والبحر عالم المادة أو الهيولى العامة أو الذرة التي يتكون منها العالم الحسي ... والآية تشير إلى أن جريان الفلك هو بالله ولله ولو لا الله ما تحرك متحرك في الأرض ولا في السماء ، والابتغاء من الفضل الإلهي الأكل من المائدة الإلهية التي ورد حديثها وهي مائدة ملآى بالمعقولات الشريفة.
٦٧ ـ (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧))
[الإسراء : ٦٧]
الضر الأذى الذي يلحق بالإنسان من جانب نفسه الترابية فيفر القلب من ثم إلى الله ، ويستغيثه ، فينجده الله ، ويجيئه إلى بر الأمان ، والمشكلة أن الإنسان لا يعرف كنه التناقض الذي يعيشه ولا كيف تحاول النفس أسره وقتله ، ولا كيف ينقذه الله بالرحمة وذلك من خلال عملية الحوار الذاتي نفسه ، فإذا انتهى الحوار ، ووضعت حربه أوزارها إلى حين نسي الإنسان فضل ربه ، وكيف أنقذه من النار التي أنقذ منها إبراهيم ، وهذا النسيان كفر لأن الكفر ستارة وستر.
٦٨ ، ٦٩ ـ (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩))
[الإسراء : ٦٨ ، ٦٩]