الأنانية ، فيقال فلان أناني أي محب لنفسه مؤثر إياها على غيره ، وهذا أمر بدهي وطبيعي لأن حب النفس مرتبط بغريزة البقاء.
أما التضحية فهي مخلوقة لتحقيق التوازن على جميع الأصعدة ، فعلى الصعيد الحيواني تسعى القطة الأم على قطيطاتها حتى إذا ظفرت بشيء عادت به إليها ، فأطعمتها بينما هي جائعة ، وتجود الظبية بنفسها دفاعا عن ولدها إذا ما تعرض للخطر ، فتجابه الذئاب حتى الموت لتمكن صغيرها من النجاة ، وتكشف الخطة عن القدرة الإلهية التي مكنت الصغار من البقاء على قيد الحياة ، وكفلتها أمهاتها اللواتي يقمن بالرعاية والحفظ والتغذية حتى يكبر الصغير ، ويصبح قادرا على العيش ، وعلى المستوى الإنساني جعل الله الناس فريقين فريقا ذا شح ، والشح غريزة كما قلنا ، وفريقا ذا مروءة يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة كما فعل أهل المدينة المنورة الفقراء لما جاءهم المهاجرون المسلمون من مكة ، ومن دون الفريقين جميعا لا تستمر الحياة ، وقد علمت الصوفية مدى تحقق المشيئة الإلهية بالأسماء الجميلة والخلال الحميدة حتى أنهم لم يفرقوا بين الإنسان الكريم واسم الله الكريم ، ولا يستنكف الصوفي عن سؤال الناس لعلمه بأنه إذا سأل الكريم شيئا فكأنما سأل الله ، قال الفضيل بن عياض من طلب الحمد من الناس بتركه الأخذ منهم فإنما يعبد نفسه وهواه ، وليس من الله في شيء.
والعملية هي ما عبر عنها في الآية بخزائن الرحمة الإلهية ، وسميت هذه الرحمة رحمة ربي ، وللتسمية رقيقة ، ذلك أن الربوبية نفسها هي مجال الفعل والانفعال ، فليس الوجود العياني سوى مسرح نشاط الربوبية نفسها ، لذلك لما اشتكى رجل إلى صوفي فساد الناس في زمانه صاح الصوفي فيه ، مالك تدخل بين الله وعباده؟ أتريد أن تبقى الربوبية معطلة؟ والجواب يدل على أن أحداث الدهر هي من فعل الله ، ولهذا نهى صلىاللهعليهوسلم عن سب الدهر ، وقال : (إن الله هو الدهر).
١٠١ ، ١٠٢ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢))
[الإسراء : ١٠١ ، ١٠٢]
الآيات التسع هن ما يمسكن الوجود العياني ، ولو لا هن لكان هذا العالم هباء منثورا ، ونجد في سورة القارعة قوله سبحانه : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) ،) والإشارة إلى أن ثمة أسسا للوجود يقوم عليها ، ولو لاها لا يقوم ، ولهذا قالت الفلاسفة بالوجود الحقيقي أو الجوهر ، ويا لوجود الإضافي أو العرض ،