سورة مريم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (كهيعص (١))
[مريم : ١]
لأول مرة في ترتيب السور تفتتح سورة بالحروف المذكورة ، والسبب كون مريم أم العالم ، وهي التي تحمل من غير زوج إلا الروح ، وتضع عيسى الكلمة الأزلية وروح الوجود نفسه ممثلة عن الله.
(فالكاف) إشارة إلى قوله سبحانه : كن ، فكل ما في الوجود مدرج في هذا الفعل الدائم ما دام الوجود صادرا صدورا إشعاعيا دائما عن الله ، و (الهاء) النفس الحياتي الصادر من كل ذي حياة ، ولقد ثبت علميا أن النبات يتنفس ، وله دورتان متعاكستان للتنفس ، بل وثبت أن الجماد يتنفس ، و (الياء) ياء ياسين قلب القرآن كما سمى النبي صلىاللهعليهوسلم سورة يس ، وهي في الوقت نفسه قلب العالم ، والله هو قلب العالم الحي ، ولم تعرف العلماء حتى يومنا هذا كيف ينبض القلب ، ولا كيف تصدر الإشارات الكهربائية إليه من الدماغ لينبض ، ولا كيف يضبط القلب في وقت دقاته التي تعد مثل دقات الساعة ، والعين عين الوجود الجامعة ، وهي تلي القلب الإلهي ، إذ العين الصفة ، والصفات لله ، فإذا كان القلب مركز الدائرة فالعين أو الأعيان هي ما شعت عن هذا المركز.
والصاد الصيرورة الحية للديمومة المكنونة ، فالله ما خلق هذا الوجود العياني إلا ليظهر به كما ورد في الحديث القدسي ، والصيرورة معناها الظهور نفسه لا التطور الديالكتيكي الذي تحدث عنه هيغل قائلا : إن العقل الإلهي يتطور عن طريق الجدل ... فالله فض قواه بالجدل ، وكلما تقدم الزمان ازداد انفضاض القوى فازداد ظهور الله ، والدليل ما وصلت إليه العلوم الحديثة التي جعلت هدفها كشف قوانين الفلك والفضاء وتتبع ما يقع في الفضاء وبين الأجرام من تفاعلات تدل على الفعل الواحد ذي القانون الواحد الأزلي القديم ، ولو كان الوجود فوضى مفتقرة إلى القانون فكيف تعتمد العلماء في أبحاثها هذه الفوضى ، ويبنون وفق ملاحظاتهم واكتشافاتهم بنيان علوم الفلك والفضاء؟
٢ ، ٥ ـ (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥))
[مريم : ٢ ، ٥]