٧٩ ـ (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩))
[طه : ٧٩]
كل من يدعو إلى الإيمان بالعالم المادي فقط هو ضال ومضل ، وإلا فكيف يفسر تمخض الحضارة الغربية عن أمراض إدمان المخدرات والخمر والفجور الجنسي والأمراض الفتاكة والعقد النفسية والانتحار الذي وصل إلى أعلى نسبة له في بلاد المدنية نفسها؟ .. وكيف يفسر عدم اكتفاء الإنسان الغربي بكل المتع التي تقدمها له الحضارة المادية؟
قال عيسى عليهالسلام : (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان) ، والمقصود بالخبز العالم المادي ، فللإنسان جانبه الروحي ، ومهما غرف من بحر الملذات فإن الروح فيه لها مطالبيها ، وترى كثيرا من الغربيين يحاولون الخروج من الوحدة التي هم فيها بالبحث عن طرائق جديدة للحياة ، ومنهم من يقصد الشرق ليدرس روحانيته عله يجد في ربوعه المشرقة ما يبحث عنه وينشده ، لقد وقف الإسكندر يوما أمام الفيلسوف الزاهد ديوجينز ثم قال له : سلني ما تريد ، فتأمله الزاهد ثم قال : أرجو ألا تحجب عني شعاع الشمس ، وكان ديوجينز جالسا يتدفأ بالشمس ، فالفيلسوف الزاهد كان زاهدا في كل ما كان للاسكندر من كنوزه ، ولم يكن ينشد إلا الحقيقة.
٨٠ ، ٨٢ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢))
[طه : ٨٠ ، ٨٢]
الطور الأيمن إشارة إلى الشق من القلب الذي يطل منه الروح فيهدي ويعلم ، وعلومه هي التي رمز إليها في الآية بالمن والسلوى ، وهذه العلوم هي المفيدة والمجدية ومن دونها فالإنسان محجوب مغضوب عليه.
٨٣ ـ (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣))
[طه : ٨٣]
موسى إشارة إلى القلب الذي يتقدم الحواس التي رمز إليها بقوم موسى ، فالقلب في تجربة الكشف يسمع صوت الهداية ويرى البشائر ، بينما تكون الحواس شبه معطلة محبوسة مقيدة ليمارس الكشف فعله ، فالحواس مخلوقة لممارسة الحياة في العالم الخارجي ، وترى الذاكرة والخيال والمصورة والحواس الظاهرة مسخرة كلها للتلاؤم مع المحيط الخارجي والاستفادة من انطباعات هذا العالم ... أما في تجربة الكشف فالآية معكوسة ، فلا يعود الإنسان في حاجة إلى استخدام حواسه ، بل إلى تعطيلها ليتمكن القلب من تأمل واستشراف عالم الروح ، ولهذا ترى المنام كشفا رؤيويا سمي في القرآن المقام اليوسفي حيث رأى يوسف ما رأى وتعلم من