يجف نهر في منطقة فييبس الزرع ، وتنفق الحيوانات أو تهاجر ، وتتحول الغابات إلى صحراء قاحلة ، ويكون الظاهر هو الخراب والموت ... في حين أن علماء الطبيعة والجيولوجيا اكتشفوا أن الأرض تلجأ إلى هذه الوسيلة لتريح نفسها ... حتى إذا تفجرت الأنهار ثانية ، وعادت الحياة إلى الأرض الموات ، كانت الحياة الجديدة قوية نشطة فتية ، وعلى هذا الأساس ، ومن هذا المنظور ، بنى هيغل فلسفته القائمة على الديالكتيك أو التناقض فمن دون التناقض لا حياة ، ولقد خص الله الإنسان بخاصية التناقض ليكون الخليفة في الأرض وملك المخلوقات الذي لا يضاهى ولا يقاوم.
والرسول هنا جبريل أو الروح الكلي الذي هو ممثل اسمه تعالى الحي ، فما فعله السامري هو أنه استغل اسم الله الحي في صنع صورة العجل الذي قلنا : إنه النفس الحيوانية ، ولهذا قلنا في موضع سابق : إن النفس تفعل نيابة عن الروح وبإذن الروح ، ثم قلنا إن النفس جسر وواسطة ، فالنفس إن فعلت ما فعلت بذاتها بل بالروح ، وهذا هو الجواب الذي دافع به السامري عن نفسه ، فالسامري ، أو الفكر ، عرف بالحدس أنه إن فعل فهو يفعل بواسطة قوى ليست له ... وإلا فكيف يفسر الإنسان عملية تنفيذ الأمر الذي يوجهه هو نفسه إلى جارحة من جوارحه؟ إننا إذا أردنا تحريك يدنا نبهنا المركز الخاص بالحركة في الدماغ بطريقة ما ، فيمتثل الدماغ الأمر ، ويرسل بدروه إشارات كهربائية عبر الأعصاب إلى اليد فتتحرك اليد ، ويقع هذا في جزء من آلاف أجزاء الثانية الواحدة ، وما من عالم متخصص أو جراح دماغ وأعصاب استطاع حتى يومنا هذا أن يفسر سر هذه العملية الباطنة التي يمارسها الإنسان والحيوان ، ولا كيف يتم إصدار الإشارات الكهربائية ، ولا كيف تتوجه الإشارات لتنفيذ الأمر ، وما يزال العلم على تقدمه يقف بباب هذا المحراب غرا مغرورا يرى الظواهر ، ويجهل الأسرار ، التي هي في قبضة الجبار رب الدار.
٩٧ ، ٩٨ ـ (قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨))
[طه : ٩٧ ، ٩٨]
الموعد الأجل المضروب للنفس الجزئية ، والإله الذي عكف عليه الإنسان فكره وأناه ، وحرق هذا الإله اصطلامه ، وهذا ما يتبينه العارف لدى وصوله إلى مقام الجمع ، ونسف هذه الإله في اليم هو مثل غرق فرعون في البحر وجنوده ... والمعنى الفلسفي عودة الجزئي إلى الكلي ، فالجزء قطرة أو موجة تتحرك فوق البحر ، والبحر الكلي نفسه ، ولا تفصل الصوفية بين الجزئي والكلي ، وكيف يكون الكلي كليا إن لم يكن مجموع الأجزاء ، وكيف يكون الجزئي