(٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) ،) فالروح هو الذي يشحن عقل الإنسان بالمعلومات ، وهو الذي يضطره إلى الجهاد لتتم عملية الشحن ذاتها كما قال سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦] ، وهو أمر أكدناه مرارا في تفسيرنا لكتاب الله ، والفلسفة القديمة تؤكد بدورها دور العقل الفعال في تعليم الإنسان ، وخاصة تعليمه المعقولات بفعل التجريد.
فالله سبحانه صاحب الحاسوب ، والإنسان الحاسوب ، والله خلق العالم المادي ليكون للإنسان بمثابة المناجم التي تقدم المواد الأولية الضرورية لشحن الحاسوب.
وعند ما حمل الإمام الغزالي على الفكر وأساليبه المنطقية إنما فعل هذا ردا على من وقف عند حدود الفكر فقط كما فعل أرسطو وأشياعه ، في حين آمن أستاذ أرسطو أفلاطون بالوحي وبوجوده وفعاليته ، والغزالي ما عاش تجربة الكشف إلا بعد أن بلغ الأربعين من العمر ، وبعد أن قضى أعواما أستاذا يعلم الطلاب الفقه في بغداد.
فنقطة الخلاف بيننا وبين العالم اليوم تتجسد في دعوة برجسون نفسها إلى الاستفادة من الإمكانات الخفية الباطنة في الإنسان ، وتعد أبحاث برجسون في الذاكرة والضحك والحدس مثلا علميا حديثا على أن الدعوة إلى الإيمان بالسوبرمان التي ظهرت في الغرب إنما هي دعوة صحيحة لها قواعدها وجذورها في الإنسان.
فالإنسان خلق ليتعلم ، وتعلمه الأولي يكون على يدي العالم الخارجي ، وهو مدعو للتعلم أولا ، ومجاهدة قوى النفس المفسدة ثانيا ، ليتم تحصيل العلم الضروري ، ومعروف في عالم العلم أن من لا يخلص للعلم لا يتعلم ، وأن من يعطي نفسه هواها لا يصير عالما ، والتاريخ يذكر أن العلماء الكبار عاشوا زاهدين في لذات الحياة مخلصين للعلم ، وفي الأمثال خبز وماء أكل العلماء ، ولقد كان الإسلام سباقا لرفع الإخلاص هذا ... حتى إذا تم شحن الحاسوب بالمعلومات ، والعملية إلهية كما قلنا ، ظهر الروح الكلي ليزيد العالم علما إلى علمه ، وهذا ما حدث للأنبياء والعلماء أمثال الغزالي وابن عربي والفارابي والسهروردي والآخرين.
إننا نجد فتوحات سلطان العارفين موسوعة صوفية ضمت كل ما كان شائعا معروفا من علوم ومعتقدات وآداب ونظريات فلسفية وكلامية في زمن الشيخ الأكبر ، وابن عربي الذي حارب النظر الفكري ، كما فعل الغزالي من قبله ، لم يكن يكف عن تثقيف نفسه والإطلاع على ما كتب الأولون والآخرون.
فعملية المضايفة بين الإنسان والعالم من جهة ، والإنسان والله من جهة أخرى ضرورية ، ولو أن ابن عربي لم يقرأ نتاج أعلام عصره والعصور السابقة ، ولو أنه لم يناقش هذه