المعلومات ويدخلها في بوتقة فكره لما استطاع أن يدبج يراعه هذه الألوف من الصفحات التي تشكل موسوعة الفتوحات.
فالإسلام إذن دين الحياة بشقيها المادي والروحي ، والذين ينظرون إلى الإسلام ، والصوفية منه بخاصة ، على أنه دين التواكل والجلوس في التكايا يجهلون حقيقة الإسلام.
ويعد النبي مثلا أعلى للإنسان الجمعي الذي يمثل شطري الإنسان المادي والروحي ، ولقد مر النبي صلىاللهعليهوسلم يوما بقوم على روؤس النخل ، فقال : (ما يصنع هؤلاء)؟ قيل : يلقحونه ، فقال : ما أظن يغني ذلك شيئا ، فأخبروا بذلك فتركوه ، وبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ، فإني إنما ظننت ظنا ، فلا تؤاخذونني بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به).
فالنبي كبشر كان يجهل كل ما ينفع ويضر في الحياة العملية ، لأنه أنى للإنسان أن يحيط علما بكل شيء؟ ولقد عاتب الحق النبي في العديد من المواقف مثل موقفه من الأعمى الذي جاءه يسعى ليتزكى ، فتلهى النبي عنه ، وظل الحق يسدد خطى نبيه ، ويلهمه الصواب ويوجهه ، فالنبي إذن بشر من لحم ودم ، وما زاد على الناس إلا بالوحي بناء على التجارب التي عاشها الأنبياء والأولياء العارفون ، والتي أثبتت أن في وسع الإنسان أن يرقى في سماء العلوم ، ويعرج إلى آفاق الروح ، فيزداد علما إلى علمه ، ومعرفة إلى معرفته.
ولما طفا أرخميدس على الماء في المسبح ، انتشل نفسه ، وصاح : وجدتها وجدتها ، وكان قد فقد كل أمل في أن يحدد رياضيا قانون العلاقة الحسابية بين الكتلة والحجم ، فلو لم يكن أرخميدس عالما قضى عمره في الدرس والبحث والتأمل والتفكير مع إخلاص وزهد في اللذات وتكريس كامل لتحقيق الهدف الذي ينشده لما استطاع أن يفهم ما حدث له في المسبح.
لقد شطر الله شطرا منه هو الروح ، وشطر من الروح شطرا هي النفس الكلية ، وشطر من النفس الكلية النفس الجزئية ، فنفخ هذه النفس في الجنين بعد أن طبعها بطابع الاسم والصفة وأرسلها لتمثل دورها في الحياة.
فالخروج هو لتحقيق القصد كما قلنا في كتابنا الإنسان الكبير ، ويبدأ الحاسوب الجزئي بجمع المعلومات ، والفاعل فيه هو الروح والحواس وقلنا : إن الفكر غريزة وقوة من قوى النفس ، فبالفكر تميز الإنسان عن الحاسوب الآلي الذي لا يستطيع أن يفكر ، وما يفكر فيه الفكر يتبع نظاما مبرمجا هو نظام الصفة نفسها.