قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥))
[طه : ١٣٠ ، ١٣٥]
قال سبحانه : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) [الأعراف : ٣٢] ، وفسرت الزينة باللباس ، وتتابع الآية قائلة : (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف : ٣٢] وفسرت الطيبات بالملذات. وقال سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦] وفسر ابن عباس العبادة هنا بالمعرفة.
ونجد هنا قوله سبحانه : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ). ولدى المقارنة نجد أن ثمة زينتين ، زينة للمؤمنين وزينة للفتنة ، والزينة الأولى جزاء من يعبد الله أي يعرفه. فالمؤمن مأمور بأن يجاهد نفسه ، ويعقل قلبه إلى أن يعرف الله ، فمتى عرفه جازاه الله خيرا ، ورزقه من حيث لا يحتسب.
والرزق الإلهي خلعة الأخلاق الإلهية التي يخلعها على عبده ، كما قال رسول الله تخلقوا بأخلاق الله ، ومعرفة سر اليقين الذي هو مطمح السالكين كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (تعلموا اليقين فإني أتعلمه).
فبجهاد النفس يتوجه المجاهد من الموضوع إلى الذات .. أي من عالم الإمكان والظلال والتبدل والتغير إلى عالم الوجوب والحق والثبات والجمال.
فمن كتبت عليه الشقاوة وهو في بطن أمه كانت زينة الدنيا له فتنة. ذلك لأن زينة الدنيا حجاب عن الله ، وحجاب بالنفس عما في النفس من أسرار ، والله سبحانه يقول : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١)) [الذّاريات : ٢١] ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (من عرف نفسه عرف ربه).
فالجهاد مكتوب على الإنسان ليعرف نفسه ، فمتى عرفها عرف سر نفسه ، وتفتحت بصيرته فرأى ربه نورا في نفسه ، ومليكا لنفسه ، فخرّ ساجدا لربه ، فأهداه الحق نفسه نفسا طيبة صالحة ، متخلقة بأخلاق الله. وعلمه عن طريق نفسه أيضا العلم اللدني وما لم يكن يعلم.
وهذا التعلم الرباني الذي يتم عن طريق صراع الأضداد ، أي الديالكتيك النفسي ، وما يتمخض عنه من خير يؤدي إلى ما سمي فقها إقامة الصلاة. فإقامة الصلاة شرط أساسي لها ، وإقامتها تحقيق الصلة بين الإنسان وربه ، ومتى اتصل فلا انفصال ، وأشرقت شمس الحق فأنارت النفس والعقل والقلب ، وصار الإنسان عبد الله الصالح ، مأمورا من قبل ربه ، لا يأتي أمرا ، ولا يحرك ساكنا إلا بإذنه ، وهذا العبد جوزي خيرا ، كما جوزي يوسف عليهالسلام الذي آتاه الله الملك ، وعلمه تأويل الأحاديث وتوفاه مسلما ، وألحقه بالصالحين ، وهذا ما اختتمت به السورة قائلة : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى).