أما الإنجيل فهو دعوة إلى توحيد الصفات ، وهو يلي توحيد الفعل ، وشعاره المحبة ، وتحقيق هذا الشعار قول عيسى عليهالسلام : (أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم) ، فعيسى ابن مريم بعث إلى بني إسرائيل لإتمام ما بدأه موسى ، إذ بعد أن ينخلع الموحد من فعله ، ويعيده إلى الله ، ينخلع من ثم من صفته ، ويردها إلى الله أيضا ، ولما كانت الصفات متقابلة أو متفقة حينا ومتضادة حينا آخر كان من الضروري رد ثنوية الفرس القدامى إلى واحدية تجمع الخير والشر.
ويأتي توحيد الذات بعد توحيد الصفات ، وهذا التوحيد هو كشف الذات ، أو كشف الهوية القديمة الأزلية ، وتحقق هذا بنزول القرآن ، الذي هو رمز الذات الجامعة ، على النبي محمد ، وأنزله جبريل الذات المقابلة للذات الإلهية ، والتي سماها الصوفيون الحقيقة المحمدية ، وسمتها الفلاسفة القدامى العقل الفعال فهذه الذات المتعينة تقابل الذات المطلقة الصرفة القديمة المجردة من التعينات ، أي من كل ما ينسب إليها من صفات وأفعال ، ولما كانت الأفعال ، والصفات تقتضي التكثر ، وكانت الذات الصرفة منزهة عن التكثر ، خلق الله الذات المتعينة ، أو العقل الأول ، ليبدأ التكثر والانتشار.
٤ ـ (مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤))
[آل عمران : ٤]
الفرقان تفرق الذات المتكثرة المقابلة للذات الصرفة ، وتفرقها يقع عن طريق الأسماء والصفات ، وضرب لهذا مثل الشمس وأشعتها ، ولقد مثل النبي صلىاللهعليهوسلم الحقيقة بشطريها القرآن والفرقان ، فكان روحه القرآن ، وكان تعينه الفرقان ، ولهذا قال : (أنزل علي القرآن دفعة واحدة) ، أو جملة واحدة ، ثم قال له الله بعد ذلك : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) [الإسراء : ١٠٦] ، فالفرقان تفصيل القرآن ، أي بدء ممارسة الذات المتكثرة نشاطها وقواها عن طريق التعينات سواء على مستوى الجمع أو على مستوى التفصيل.
٥ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥))
[آل عمران : ٥]
كونه سبحانه عين الأشياء يجعله عليما بما في أرض المادة وسماء الروح ، والحقيقة أن هذه الأشياء موجودة به ، فلولاه ما كانت ، واستمرار قيامها به يجعلها ملكا له ، لا وجود لها بذاتها ، ولا لها من أمرها شيء.
٦ ـ (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦))
[آل عمران : ٦]
الرحم الطبيعة ، والتصوير الطبع ، والأصل طبع للعالم الروحاني في العالم العياني ، إذ أن