وتسمى الرابطة الرابطة الغائية ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ،) إذ الأمر كله ظاهرا وباطنا سلسلة متصلة الحلقات من العلل والمعلولات ، ولا مشيئة إلا المشيئة الإلهية ، فالقول بالطوعية والإكراه هو من باب التسمية فقط ، أما الحقيقة فلا مجال للقول إن ثمة مجالا لهما وبينهما.
٨٤ ـ (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤))
[آل عمران : ٨٤]
هذه السلسلة من الأنبياء مظاهر للحقيقة الروحية الظاهرة في هذه الوجوه ، والوجه ما يظهر به الخفي ، فحقيقة النبيين واحدة أيضا وهي النور الجامع ، وعن هذا التوحيد قالت الآية : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ،) إذ كلما بعث نبي ظهر النور به ، فالنور واحد والأنبياء كثر.
٨٥ ـ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥))
[آل عمران : ٨٥]
عدم الإيمان بهذه الحقيقة الجامعة هو الخروج على الإسلام الذي هو التسليم التوحيدي ، فعلى الحقيقة الإسلام جوهر كل دين نزل من لدن الروح ، بل جوهر كل ديانة غير سماوية أيضا ، وأضافت الصوفية بأن الرب يعبد في كل ما يعبد من الظواهر ، إذ الرب هو الحقيقة الداعية إلى عبادة تلك المظاهر تعبيرا عنه هو وامتثال أمره وإلهامه ، فعلى مدى التاريخ ظهر الله بالمظاهر ، فنسي الظاهر ، وعبدت المظاهر.
٨٦ ـ (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦))
[آل عمران : ٨٦]
مشاهدة النور الأصيل كفيل بنسف قواعد النفس والصفات ... ومع هذا فكثير من الذين كوشفوا بهذا النور ظلوا محجوبين بالنفس والصفات ، وهذا في حق الله ظلم عظيم.
٨٧ ـ (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧))
[آل عمران : ٨٧]
اللعنة الحجاب والبعد ، وهذه نتيجة حتمية لمن لم ينتصر لله متنازلا عما بين يديه له ، ومن بقي خلف الحجاب فهو خالد في النار ، مبعد عن الله بعدا لا أمل في تبديله قربا ، وجزاء البعد حكم القلب بالاسم البعيد الذي هو الوسوسة ، والوسوسة شر جزاء