ما تحمل الروح فهي رمز النفس ، ولقد حرم يعقوب على نفسه مد عينيه إلى نفسه ، وهو ما رمز إليه بالأكل ، فتنازل عنها لله ، وهذا هو بدء الدخول في ملكوت السموات كما قال سبحانه : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠] ، أي حتى تدخل النفس في سم الخياط الضيق ، وهو ثقب على ضيقه يعد المدخل إلى مكنون الحقيقة الجامعة لصفات الجمال والجلال أي الضدين.
وفي هذا سر ابتلاء يعقوب بفقد يوسف عليهماالسلام وذهاب بصره ، وكان في ابتلاء الحق يعقوب رحمة ، وباطن كل بلاء رحمة عند العارفين ، فلو لا ابتلاء الله يعقوب ما كف عينيه عن الإمساك بالنفس التي هي الحجاب.
٩٦ ـ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦))
[آل عمران : ٩٦]
مادام الحق سبحانه خلق آدم على صورته ، ففي آدم نسخ الموجودات جميعا ، معنوية وحسية ، وبكة مكة الصدر ، والبيت القلب ، والقلب مستودع الأمانة الإلهية كما جاء في الحديث القدسي : (ما وسعتني السموات ولا الأرض ولا الجبال ووسعني قلب عبدي المؤمن) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (قلب المؤمن عرش الله) ، فنور الحق استودع قلب الإنسان كما جاء في الحديث : (إن الله خلق الوجود من ياقوتة بيضاء).
وكون البيت هدى هو بسبب تفجر ينابيع البصيرة في القلب ، ومن انفجرت ينابيع قلبه ، اهتدى ، وليس إلا نور الهدى هدى إلى الله ، ولهذا تؤكد العبادات ظاهرا وباطنا ضرورة تحقيق جلو مرآة القلب كي تنفجر الأنوار.
٩٧ ـ (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧))
[آل عمران : ٩٧]
الآيات البينات كلمات الله التامات ، ومنها الأسماء الحسنى ، وفي مقدمة الكلمات الصفات الإلهية السبع والقوى الإلهية السبع ، ودخول مقام إبراهيم التوجه إلى كعبة التوحيد والدخول في المقام الذي هو الخلة والتخلل ، فإبراهيم خليل الله ، والنور الإلهي تخلل إبراهيم ، ولهذا سمي الخليل ، فإبراهيم عليهالسلام أول نبي شعت في قلبه الأنوار الإلهية فآمن وأمن وسكن ، وعرف الحقيقة وأين هي.
وقوله سبحانه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) يعني أن من حق الحق على الخلق أن ييمموا وجوههم شطر القلب حيث مستودع الأسرار ، وإن لم يول العبد وجهه ، أي نفسه ، هذا الشطر القدسي فهو عبد آبق محجوب.