يبعث. ومنه قوله : (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ* ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ)(١). يقال : بدأ الله الخلق وأبدأهم ، وعليه (أَ وَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) ، فهذا من «أبدأ» الرباعيّ (٢).
وأبدأت من أرض كذا أي ابتدأت بالخروج منها. وقوله : (بادِيَ الرَّأْيِ)(٣) وقرىء بغير همزة بمعنى : ما يظهر من الرأي (٤) ولم يتروّ فيه ، ويهمز بمعنى أول الرأي وابتدائه. وفيه رأي فطير أي لم يخمّر ، وذلك على جهة الاستعارة من اختمار العجين وعدمه.
والبديء كالبديع (٥) في كونه لم يعهد. والبدأة : النّصيب المبتدأ به في القسمة ، ومنه قيل لقطعة لحم عظيمة : بدء. والبدأة أيضا : ابتداء السّفر. وفي الحديث «أنه [نفّل](٦) في البدأة الرّبع ، وفي الرّجعة الثّلث» أي في سفر الغزو. يقال : أكرّ للبدأة بكذا وفي الرّجعة بكذا. وفي الحديث : «منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبّها ، وعدتم من حيث بدأتم» (٧) ، إنّما سقت هذا الحديث لأنّ فيه معجزة له عليه الصلاة والسّلام ، وذلك أن معناه أنّه صلىاللهعليهوسلم أخبر أنّ أهل هذه البلاد سيوضع عنهم هذه الأشياء ثم يمتنعون من أدائها ، إما بإسلامهم فتسقط عنهم الجزية ،
__________________
(١) ٢٠ / العنكبوت : ٢٩.
(٢) قال الزجاج : «يقال : بدأ الله الخلق بداء وأبدأهم إبداء» (تهذيب الأسماء : ٢ / ٢١). والآية : ١٩ / العنكبوت : ٢٩.
(٣) ٢٧ / هود : ١١.
(٤) قرأ أبو عمرو وحده «بادىء» بالهمز ، وسائر القراء قرؤوها بالتخفيف. وقال الفراء : لا تهمزوا «بادي الرأي» لأن المعنى : فيما يظهر لنا ويبدو ، ولو قرأت «بادىء» فهمزت تريد أول الرأي لكان صوابا (معاني القرآن : ٢ / ١١).
(٥) في الأصل : كالبديهي ، وصوبناها من المفردات : ٤١.
(٦) فراغ في الأصل أتممناه من النهاية : ١ / ١٠٣. ويقول ابن الأثير في شرح الحديث : «كان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو فأوقعت بهم نفّلها الربع ممّا غنمت ، وإذا فعلت ذلك عند عود العسكر نفّلها الثلث ، لأن الكرة الثانية أشقّ عليهم والخطر فيها أعظم» (١ / ١٠٣).
(٧) النهاية : ١ / ١٠٣. المدي : مكيال أهل الشام ، والقفيز لأهل العراق والإردبّ لأهل مصر.