هؤلاء نساؤكم فانكحوهنّ على الوجه المرضي. وقيل : أراد ماءه لصلبه ، وإنّما خاطب بذلك كبار قومه وهم قليل ، وإلا فمحال أن يقول ذلك للجمّ الغفير (١).
وقوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ)(٢) أراد الملائكة ، وذلك أن الكفار ... (٣) يزعمون ، وقد كذبوا أن يقال : تزوج بسروات (٤) الجنّ فأولدهم الملائكة ، وسمّوهم بناته (٥). وإليه أشار بقوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً)(٦)(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً)(٧) وقد يعرب بنين مع الياء بالحركات تشبيها له بلفظ قطين (٨) ، قال : [من الوافر]
وكان لنا أبو حسن عليّ |
|
أبا برّا ونحن له بنين |
والبنيان : وضع شيء بترتيب خاص ، وهو جمع لا واحد له. وقيل : بل واحده بنيانة. وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)(٩) من أبلغ تشبيه ، لم يكتف بذكر البنيان حتى وصفه بأبلغ إتقان. واسم الجنس يذكّر ويؤنث ، ومن التذكير (بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) كقوله : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(١٠). ولو أنّث لجاز كقوله : (نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(١١).
وقوله : (أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ)(١٢) الآية استعارة بديعة ، وذلك أنّ الأمر الذي يربّيه الإنسان من دين واعتقاد إنّما يربّيه على نظر وتأمّل ووضع شيء فشيء ، وهذا أشبه شيء بالبناء.
__________________
(١) خاطب لوط القوم وعرض عليهم بناته لا بنات قومه ، على هذا المعنى.
(٢) ٥٧ / النحل : ١٦.
(٣) فراغ قدر كلمة من الأصل ، والمعنى المرجّح أن الكفار يزعمون أن الملائكة بنات الله! وانظر الغريبين : ١ / ٢١٣.
(٤) كذا في س ، وفي ح : سراوات.
(٥) كذا في س ، وفي ح : بناتهم.
(٦) ٤٣ / الإسراء : ١٧.
(٧) ١٥٨ / الصافات : ٣٧.
(٨) يرى ابن يعيش أن أكثر ذلك ما يجيء في الشعر ، وأتى بشواهد شعرية على ذلك (انظر شرح المفصل : ٥ / ١١).
(٩) ٤ / الصف : ٦١.
(١٠) ٢٠ / القمر : ٥٤.
(١١) ٧ / الحاقة : ٦٩.
(١٢) ١٠٩ / التوبة : ٩.