كمحبة العلماء بعضهم لبعض لأجل العلم. وربّما فسّرت (١) المحبة بالإرادة في قوله : (يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا)(٢) ، وقال : ليس كذلك ؛ فإنّ المحبّة أبلغ من الإرادة كما تقدّم. فكلّ محبة إرادة وليس كلّ إرادة محبة. (٣)
وقوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(٤) أي يثيبهم. وفي عكسه : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)(٥). وفيه تنبيه على أنّه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك. وإذا لم يتب لم يحبّه الله تعالى المحبة التي وعد الله التوّابين والمتطهّرين. والاستحباب حقيقته طلب المحبة إلا أنّه ضمّن معنى الإيثار ، ولذلك عدّي بعلى ؛ قال تعالى : (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(٦) أي آثروه عليه. وقوله : (اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ)(٧). وقال بعضهم : الاستحباب : تحرّي الإنسان في الشيء وأن يحبّه. وحقيقة المحبة في الأناسي : إصابة حبة القلب. يقال : حببت زيدا أي أصبت حبة قلبه ، نحو : كبدته ورأسته. وأحببته : جعلت قلبي مغرما بأن يحبّه. واستعمل أيضا حببت في موضع أحببت ، إلا أنّ الأكثر الاستغناء باسم مفعول الثلاثيّ عن اسم مفعول الرباعيّ ، نحو : أحببته فهو محبوب ، والقياس محبّ وقد جاء. قال عنترة (٨) : [من الكامل]
ولقد نزلت فلا تظنّي غيره |
|
منّي بمنزلة المحبّ المكرم |
وقوله تعالى : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي)(٩) الأصل أحببت الخيل (١٠) حبّي للخير ، قاله الراغب ، وقال غيره : المعنى : آثرت حبّ الخير على ذكر ربّي ؛ فعن بمعنى على ، وهذا لا أحبّه. وقد أوضحنا هذا في غير هذا الموضوع.
__________________
(١) في الأصل : فسر.
(٢) ١٠٨ / التوبة : ٩.
(٣) ساقطة من ح.
(٤) ٢٢٢ / البقرة : ٢.
(٥) ٢٧٦ / البقرة : ٢.
(٦) ١٧ / فصلت : ٤١.
(٧) ٢٣ / التوبة : ٩.
(٨) من معلقته (شرح المعلقات التسع : ٢ / ٤٦٥).
(٩) ٣٢ / ص : ٣٨.
(١٠) في الأصل : الخير ، ولعل الصواب ما ذكرنا.