الآخرة أو في الدارين ؛ فإنّ كرمه واسع. وما أحسن ما رمز إليه أمير المؤمنين بقوله : «الناس أبناء ما يحسنون»! أي أنهم منسوبون إلى ما يعلمونه من العلوم أو الأعمال الحسنة ، فأمّا السيئة فإنّها لا نسبة إليها كولد الزّنا. إلا أن بعضهم فرّق بين الإحسان والإنعام ، قال : الإحسان أعمّ من الإنعام.
وقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(١) فالإحسان فوق العدل ، وذلك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله ، والإحسان أن يعطي ما عليه ويأخذ أقلّ ممّا له ؛ فالإحسان زائد عليه. فتحرّي العدل واجب ، وتحرّي الإحسان ندب وتطوّع. قال : ولذلك عظّم ثواب المحسنين فقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٢). وفي الحديث : «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» (٣) سمّى ما يتحرّاه الإنسان من أحسن الطرائق إحسانا. وفي الحديث (٤) : «ما الإحسان؟ قال : أن تعبد الله» إلى آخره (٥) فجعله هذه الأعمال على وجهها إحسانا هو إحسان في الحقيقة إلى نفس العابد ، فإنّ المعبود لا ينقصه طاعة ، كما لا تضرّه معصية.
فصل الحاء والشين
ح ش ر :
قال تعالى : (وَحَشَرْناهُمْ)(٦) أي جمعناهم. والحشر : الجمع ، وقيل : الحشر : إخراج الجماعة عن مقرّهم وإزعاجهم عند الحرب وغيرها. وفي الحديث : «النساء لا
__________________
(١) ٩٠ / النحل :.
(٢) ١٩٥ / البقرة : ٢.
(٣) سنن الترمذي ، الديات : ١٤.
(٤) هو حديث الإيمان ، النهاية : ١ / ٣٨٧.
(٥) وتتمته : «كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (النهاية : ١ / ٣٨٧).
(٦) ٤٧ / الكهف : ١٨.