العصيّ والحبال زئبقا يمشّيها. وعليه قوله تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ)(١) ولذلك قال : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى)(٢). وضرب باستجلاب معاونة الشياطين بأعمال يفعلونها يتقرّبون بها إلى الشياطين. وعليه قوله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الآية (٣). وضرب يذهب إليه بعض الأغتام ، ويزعمون أنهم يقلّبون صور الحيوانات بعضها إلى بعض ، فيقلبون (٤) الإنسان حمارا والحمار جارية حسناء ، ولا يثبته أهل التحقيق. وقد أتينا على تقسيمه واختلاف العلماء فيه على أتمّ كلام في كتابنا «القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز».
وقد يستعار السّحر للكلام المنّمق المزوّق ؛ فيقال : سحرني بكلامه. وأطلق ذلك على الكلام من حيث إنه يغيّر المعاني عن مقارّها إلى مقرّ آخر ، وهو ممدوح في الأشياء الحسنة شرعا ، ومذموم في غيرها. ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّ من البيان لسحرا» (٥). قيل : ومنه سمّوه ساحرا ، وما جاء به السّحر لأنه يصرف الناس في زعمهم من دينهم إلى دينه بحسن كلامه ، وإلا فما أبعده من السّحر. وقد تصوّر من السحر تارة حسنه نحو : «إنّ من البيان لسحرا» ، وتارة دقة فعله حتى قالت الأطباء : الطبيعة ساحرة والغذاء سحر ، من حيث إنه يدقّ ويلطف تأثيره. وعليه قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ)(٦) أي ممن جعل له سحر تنبيها أنه محتاج إلى الغذاء كقوله : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ)(٧). وقال امرؤ القيس (٨) : [من الوافر]
أرانا موضعين لأمر غيب |
|
ونسحر بالطعام وبالشراب |
__________________
(١) ١١٦ الأعراف : ٧.
(٢) ٦٦ طه : ٢٠.
(٣) ٢٢١ و ٢٢٢ الشعراء : ٢٦.
(٤) وفي الأصل : فيقلبوا.
(٥) النهاية : ٢ ٣٤٦.
(٦) ١٥٣ الشعراء : ٢٦.
(٧) ٧ الفرقان : ٢٥.
(٨) البيت مطلع لامرئ القيس. موضعون : مسرعون لأمر غريب ، يريد الموت أو المستقبل المجهول. الديوان : ٨٤.