ونبّه بذلك على أنه بشر كقوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(١). وقيل : ممّن جعل له سحر يتوصّل بلطفه إلى ما يأتي به ويدّعيه. وقوله : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(٢) يحتمل الوجهين.
قيل : وأصل السّحر بالكسر مأخوذ من السّحر بالفتح ، وهو طرف الحلقوم والرئة. ومنه قول أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها : «مات بين سحري ونحري» (٣) ؛ يعني النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقالوا : انتفخ سحره للجبان من الخور. وبعير سحير : عظيم السّحر. والسّحارة : ما يلقى عند الذّبح ويرمى به. وبني على فعالة كبناء النّفاية (٤) والسّقاطة ، وذلك أن السحر يؤثر في المسحور فيكون بمنزلة من أصيب سحره.
وقوله تعالى : (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)(٥) أي مصروفون عن معرفتنا بالسّحر. وقيل : معناه : إنّ منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يسمعون وإن كان غير حقّ. وقيل : يكتسب به من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره. وعليه قوله : «فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فإنّما أقطعه قطعة من النار». قوله : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(٦). السّحر : أول النهار ، وهو اختلاط الظلمة بضياء النهار. وأراد : سحر من الأسحار ، ولذلك صرفه. أما إذا أراد به من يوم بعينه فإنه يمنع من الصرف ، نحو : أتيتك يوم الجمعة سحر. قالوا : وعليه منعه العدل (٧) وأشبه العلمية. وزعم صدر الأفاضل (٨) أنه مبنيّ كأمس. ولنا فيه كلام طويل أتقنّاه في مواضع من تأليفنا.
والسّحر : اختلاط ظلام آخر الليل بضياء أول النهار. ولقيته بأعلى السّحرين ، أي
__________________
(١) ١٠ إبراهيم : ١٤.
(٢) ٤٧ الإسراء : ١٧.
(٣) النهاية : ٢ ٣٤٦.
(٤) في س : النفاثة ، وفي ح : النفالة. ولعلها كما ذكرنا.
(٥) ١٥ الحجر : ١٥.
(٦) ٣٤ القمر : ٥٤.
(٧) غامض ، ولعلها : زنة الفعل.
(٨) هو القاسم بن الحسين بن أحمد الخوارزمي ، الملقب بصدر الأفاضل. عالم بالعربية ومن فقهاء الحنفية. من كتبه «شرح المفصل للخوارزمي» و «ضرام السقط». قتله التتار سنة ٦١٧ ه.