سَوَّاها)(١) إشارة إلى القوى التي جعلها الله مقوّمة للنفس ، فنسب إليها (٢). وقد ذكر في غير هذا الموضع أن الفعل كما يصحّ أن ينسب إلى الفاعل يصحّ أن ينسب إلى الآلة ، وسائرها يفتقر إليه نحو : سيف قاطع. وهذا أولى من قول من قال : إنّ المعنى «وما سوّاها» يعني به الله تعالى. قوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها)(٣) فتسويتها تتضمّن بناءها وترتيبها المذكورين في قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) الآية (٤). قوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ)(٥) قيل : نجعل كفّه كخفّ الجمل من غير انقباض وانبساط. وقيل : هو عبارة عن تفاوت الأصابع واختلافها ؛ فإنّ كونها كذلك مما يعين على الانتفاع بها. وقيل : هو عبارة عن البعث والحشر ؛ أي نردّها كما كانت بعد أن كانت متفرقة.
قوله : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)(٦) أي كامل الخلق ، لا ينكر منه شيء ، كما لا ينكر من الآدميين الذين تعهدهم. والسّويّ في الأصل يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط.
قوله : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها)(٧) كقوله : (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(٨) والمعنى أنها صارت كأرض (٩) مسوّاة بها ، ومثله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ)(١٠) قيل : تسوّى عليهم ، أي تطمّ فلا يدّبّرون منها لشدّة افتضاحهم. ويعبّر بالسّواء عن الوسط ، ومنه قوله : (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ)(١١). ويقال : ما زلت أكتب حتى انقطع سواي. قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)(١٢) أي قصد. قال ابن عرفة : الاستواء من الله : الإقبال على الشيء
__________________
(١) ٧ الشمس : ٩١.
(٢) أي : فنسب الفعل إليها.
(٣) ٢٨ النازعات : ٧٩.
(٤) ٦ الصافات : ٣٧.
(٥) ٤ القيامة : ٧٥.
(٦) ١٧ مريم : ١٩.
(٧) ١٤ الشمس : ٩١.
(٨) ٤٥ الحج : ٢٢.
(٩) وفي ح : كالأرض.
(١٠) ٤٢ النساء : ٤.
(١١) ٥٥ الصافات : ٣٧.
(١٢) ٢٩ البقرة : ٢ ، وغيرها.