قلت : هذا من الاستعارة التخييلية أو التمثيلية ، ورشّح ذلك بقوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(١) وبالغ فيها حيث أسند عدم الربح لنفس التجارة ، والمراد بابها. وقد حقّقنا هذا في غير هذا الموضع. قوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)(٢) ، فذكر الثمن وهو قوله : (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ، وقال الراغب (٣) : فذكر ما اشتري به وهو قوله : (يُقاتِلُونَ) وفيه نظر واضح ؛ إذ المشترى به على مجاز قوله : (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ). وأمّا (يُقاتِلُونَ) فهو في الحقيقة المرادة بهذا الكلام المبيع ، وقال الهرويّ : إنّ شريت من الاضداد ؛ يعني أنه يكون بمعنى بعت وبمعنى اشتريت.
قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٤) أي يبيعها. وفي الحديث : «كان لا يشاري ولا يماري» (٥) قيل : لا يشاري : لا يلاجّ. وقال ابن عرفة : أصله لا يشارر من الشرّ ، فأبدل (٦). وفي حديث أمّ زرع : «وركب شريّا» (٧) أي فرسا يستشري في عدوه ، أي يلجّ. وشرى الرجل أي استشرى ، أي جدّ في الشرّ ولجّ فيه. وفي الشراء لغتان : المدّ والقصر ، والأكثر أن تدخل الياء على ما هو ثمن ، إن كان الثمن والمثمن غير نقد (٨). فإن (٩) كان أحدهما نقدا فهو الثمن مطلقا. والشّروى (١٠) : المثل ؛ ومنه قول عليّ رضي الله عنه : «ادفعوا شرواها من الغنم» (١١) أي مثلها. وكان شريح يضمّن القصّار شروى الثوب (١٢) ، أي مثله.
__________________
(١) ١٦ البقرة : ٢.
(٢) ١١١ التوبة : ٩.
(٣) المفردات : ٢٦٠.
(٤) ٢٠٧ البقرة : ٢.
(٥) من حديث السائب (النهاية : ٢ ٤٦٨).
(٦) لعل الصواب أن يقول : فقلب إحدى الراءين ياء. ويقول ابن الأثير : والأول أوجه.
(٧) النهاية : ٢ ٤٦٧.
(٨) وفي س : والثمن غير عرفان.
(٩) ساقطة من س.
(١٠) وفي الأصل : الشرو من.
(١١) النهاية : ٢ ٤٧٠.
(١٢) وتتمته عند ابن الأثير : إذا أهلكه ، وبه يتضح المعنى.