قوله تعالى : (وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)(١) قيل : إذا وصف الله تعالى بكونه (شَكُورٌ حَلِيمٌ) فمعناه إنعامه على عبيده ، وجزاؤه بما أقاموه من العبادة. وقال ابن عرفة : يغفر السيئات ويشكر الحسنات ، يعني بذلك مضاعفتها. ولذلك قال غيره : يعني بالشّكور في صفاته أنّه يذكر عنده القليل من أعمال العباد ، فيضاعف لهم جزاءه. قوله : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً)(٢) قيل : هو جمع شكر. وقيل : مصدر ، وكذلك الكفور ؛ قاله الأخفش. وشكر : يتعدّى بنفسه تارة وباللام أخرى في أخوات له ذكرتها في غير هذا. واختلف النحويون ؛ هل أحدهما أصل للآخر أو هما أصلان؟ تحقيقه في غير هذا. إلا أنّ الفراء جعل التعدّي باللام أفصح.
قلت : ولذلك لم يرد في التنزيل إلّا به. وفي حديث يأجوج ومأجوج : «وإن دوابّ الأرض تسمن وتشكر شكرا من لحومهم» (٣) أي تمتلئ. يقال : شكرت الشاة شكرا : امتلأت لبنا وسمنا ، فهي شكرى بزنة سكرى (٤) وناقة شكرة (٥) : ممتلئة الضّرع. وفي المثل : «أشكر من بروق» (٦) هو نبت يخضرّ بأدنى مطر. والشّكير (٧) : فراخ تحصل في أصل الشجرة ، وفي المثل : «في عضة ما ينبتنّ شكيرها» (٨) ومنه حديث عمر : «وشكير كثير. قيل : يا أمير المؤمنين ، وما الشكير؟ قال : ألم تر إلى الزرع إذا زكا ونبت في أصوله؟ فذلك الشكير» (٩). وقال الأزهريّ : إذا أراد بالشكير ذرية صغارا شبّههم بالزرع ، وهو تشبيه بديع.
__________________
(١) ١٧ التغابن : ٦٤.
(٢) ٩ الإنسان : ٧٦.
(٣) النهاية : ٢ ٤٩٤ ، أي تمتلئ شحما ولحما.
(٤) يؤكد ابن الأثير أنها بفتح العين «شكرا» فلا تكون على هذا بزنة سكرى ؛ فيقول : «بالتحريك» إذا سمنت وامتلأ ضرعها لبنا». ويؤيده ابن منظور ـ شكر.
(٥) وفي الأصل : شكرى. والتصويب من المفردات : ٢٦٩ ، واللسان.
(٦) ويروى : «أشكر من بروقة» (المستقصي : ١ ١٩٦). ويقول الزمخشري : هي شجيرة تخضرّ إذا غامت السماء وتهلك إذا جيدت. ويؤيد ابن منظور (مادة ـ برق) ما جاء في الأصل.
(٧) يعني فراخ الأغصان.
(٨) مجمع الأمثال : ٢ ٧٤.
(٩) الحديث لعمر بن عبد العزيز ، وتفصيله في اللسان ـ مادة شكر.