فصل النون والشين
ن ش أ :
قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ)(١) الإنشاء : ابتداء الخلق ، وكلّ من ابتدأ خلق شيء واخترعه فقد أنشأه. ومنه : أنشأ الشاعر القصيدة. وأنشأ فلان يفعل كذا ، أي ابتدأ في فعله. والإنشاء الإختراعيّ غير المسبوق بمثال لا يليق إلا بالباري تعالى. قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ)(٢).
قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى)(٣) يعني خلقكم الأول ، وهو ما ثبت بالدليل من خلق أصلكم من تراب ، أو خلق أنفسكم من كونكم نطفا في أصلاب الآباء ، ثم تقذف في بطون الأمهات ، ثم تتصور تلك النّطفة ، إلى أن تخرج بشرا سويا ؛ لا يكابر في ذلك إلا معاند. وجعلت الأولى باعتبار النّشأة الأخرى ، وهو بعثهم أحياء بعد إماتتهم وصيرورتهم رمما. قال تعالى : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ)(٤) جعلها نشأة بإعتبار تفرّق أوصالهم وبلاء أجسادهم وتقطّع أبدانهم.
يقال : نشأة ونشاءة نحو رأفة ورآفة ، وكأبة وكآبة. وقد قرىء بهما في المتواتر. قوله :
(أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها)(٥) أي ابتدعتم الشجر ، وهو المرخ (٦) والغفار يحكّ أحدهما بالآخر فتخرج النار مع كونه أخضر يقطر ماء. (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)(٧). قوله : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) (٧) أي يتربّى في الحلي والزّينة. يعني : النساء ربّات الحجول. وقرىء : «ينشّأ» بالتشديد (٨).
__________________
(١) ١٤ / المؤمنون : ٢٣.
(٢) ٩٨ / الأنعام : ٦.
(٣) ٦٢ / الواقعة : ٥٦.
(٤) ٢٠ / العنكبوت : ٢٩.
(٥) ٧٢ / الواقعة : ٥٦.
(٦) المرخ : شجر رقيق سريع الوري يقتدح به. والغفار : صغار الكلأ.
(٧) ٨٣ / يس : ٣٦.
(٧) ١٨ / الزخرف : ٤٣.
(٨) يريد : قرىء بالتخفيف كما قرىء بالتشديد ؛ فعند الفراء أن يحيى بن وثاب وأصحاب عبد الله والحسن ـ