أن يراد فيه ذلك كلّه. وكذا (١) قوله : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(٢) حثّ على المفارقة بهذه الوجوه كلّها.
قوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا)(٣) وقوله : (الْمُهاجِرِينَ)(٤) ، ونحو ذلك. هذه المهاجرة عبارة عن الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام. ومنه الهجرة من مكة إلى المدينة. فالهجرة والمهاجرة غلبتا في ذلك ، وإن كان أصلها مفارقة الغير ومتاركته. وقيل : الهجرة بعد الهجرة النبوية صارت عبارة عن ترك دار الحرب وترك الأخلاق الذّميمة والخصال الرّذيلة. وفي قوله عليه الصلاة والسّلام : (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) (٥) إشارة لذلك.
وهنا سؤال وهو أنّه لا بدّ من تغاير الشّرط والجزاء ليفيد ، وهنا اتّحدا. وأجيب بأنّ معناه : فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله (ثوابا وجزاء ، أي من هاجر إلى الله كان أجره على الله وكانت هجرته مقبولة) (٦). وفي الحديث : «لو يعلم النا س ما في التّهجير» (٧) قيل : المراد التّبكير إلى كلّ صلاة. وفي حديث الجمعة : «والمهجّر كالمهدي بدنة» (٨) أي المبكّر ، وهي لغة حجازية. وأنشد للبيد (٩) : [من البسيط]
راح القطين بهجر بعد ما ابتكروا |
|
فما تواصله سلمى وما تذر (١٠) |
ه ج ع :
قوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ)(١١). الهجوع : النّوم بالليل ،
__________________
(١) وفي ح : وذلك.
(٢) ٥ / المدثر : ٧٤. والمعنى : اهجر المآثم الموجبة للعذاب.
(٣) ٢١٨ / البقرة : ٢.
(٤) ١٠٠ / التوبة : ٩ ، وغيرها.
(٥) رواه البخاري في بدء الوحي وفي الإيمان ، وفي مسلم ، رقم ١٩٠٧.
(٦) ما بين قوسين ساقط من ح.
(٧) النهاية : ٥ / ٢٤٦.
(٨) المصدر السابق.
(٩) مطلع من ديوانه : ٥٨. القطين : جماعة أهل الدار ، والهاء في «تواصله» يعني نفسه.
(١٠) جاء في هامش الورقة ٤١٠ / ح هامش مطول حول الهجران لم نر لها ضرورة تذكر.
(١١) ١٧ / الذاريات : ٥١.