ولهذا قال ابن عرفة : السّنة : النّعاس يبدأ في الرأس ، فإذا صار إلى القلب فهو نوم. وإنّما جمع بين نفييهما لأنّه لا يلزم من نفي أحدهما نفي الآخر ، إذ يتصوّر مجيء النوم دفعة من غير مبادىء الوسن ، ومجىء الوسن دون النوم. فلذلك نفى كلّ واحد (١) منهما على حدته بدليل تكرير لا. وبهذا يندفع سؤال من يقول : إنّه تعالى لو نفى السّنة وحدها لاكتفى بذلك موّجها له بأنّه إذا نفي ما هو مقدمة للشيء كان انتفاء ذلك بطريق الأولى لما قدّمته لك من تصوّر وجود أحدهما دون الآخر.
وتوسّنها ، أي غشيها نائمة. ويقال : وسن وأسن ـ بالواو والهمز ـ : إذا غشي عليه من ريح البئر. قال الراغب (٢) : وأرى أنّ وسن يقال لتصوّر النوم لا لتصوّر الغشيان. انتهى. يعني أنّه من الوسن ، وهو مبادىء النوم لا من الغشيان الذي يصيب الإنسان من ريح الماء الآسن ، أي المتغيّر. يعني فتكون الواو في قولهم : وسن أصلا لا بدلا من الهمزة ، وهو حسن.
و س و س :
قوله تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ)(٣). الوسوسة : الخطرة الرّديئة. قيل : وأصله من الوسواس. وهو صوت الحليّ والهمس الخفيّ. والوسواس ـ بالفتح ـ : هو الشيطان الذي يوسوس. بالكسر ـ مصدر كالوسوسة. ونظيره الزّلال والزّلال عند قوم. ومن ثمّ قال الفراء : الوسواس ـ يعني بالفتح ـ إبليس. ويقال : وسوس له وإليه. وقد جاء في التنزيل ، قال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ)(٤) وفي موضع آخر : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ)(٥) فقيل : لغتان ، واللام وإلى يتعاقبان كقوله : (لِأَجَلٍ)(٦) و (إِلى أَجَلٍ)(٧). وقيل : بل معناه مع
__________________
(١) الكلمة ساقطة من ح.
(٢) المفردات : ٥٢٤.
(٣) ٥ / الناس : ١١٤.
(٤) ٢٠ / الأعراف : ٧.
(٥) ١٢٠ / طه : ٢٠.
(٦) ١٠٤ / هود : ١١ ، وغيرها.
(٧) ٢٨٢ / البقرة : ٢ ، وغيرها.