تعالى : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً) [الكهف : ١ ، ٢] وأيضا ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا معه ، وأبو بكر ؛ وعبد الله بن مسعود يقرأ ؛ فاستمع لقراءته ، فلما ركع ـ أو سجد ـ قال صلىاللهعليهوسلم : «سل تعطه من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد». فأضاف القراءة إلى عبد الله ، لأنها صفته وعبادته عليها يثاب ويؤجر ؛ والمقروء بها كلام الله القديم الأزلي ، وقد روي : «من سره أن يقرأ القرآن رطبا» وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه أبو بكر ، وعمر وإني أقرأ سورة النساء ، فكنت أسجلها سجلا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «سل تعطه» ، ومعلوم عند كل عاقل أن الرسول صلىاللهعليهوسلم إنما وصف بالغضاضة والطراوة والتسجيل قراءة ابن مسعود دون كلام الله تعالى المتلو المقروء ، لأنه لا يوصف بالشيء وضده ، فاعلم ذلك وتحققه ؛ ولأن صفة القراءة تارة تكون غضة رطبة من قارئ دون قارئ إنما ذلك راجع إلى صفات المحدثين الذين يتفاضلون في قراءتهم وأصواتهم فتكون قراءة بعضهم غضة رطبة ، وقراءة بعضهم فجة سمجة ، ويكون صوت أحدهم حادا حسنا ، وصوت آخر فجا جهورا عاليا ، فأما القرآن المقروء المتلو فلا يختلف في ذاته بأي قراءة قرئ ، وبأي تلاوة تلي ، وبأي صوت سمع. بل الأدوات ، والأصوات واللغات تختلف في الجودة والرداءة والخفاء والجهارة.
* * *
فصل
وقد روي من الأخبار والآثار عن سيد الأولين والآخرين وصحابته رضي الله عنهم في الفرق بين التلاوة والمتلو ، والقراءة والمقروء ما لا يحصى عددا ونحن نذكر شيئا من ذلك يقوي جميع ما تقدم.
فمن ذلك ما روي عن جابر بن عبد الله قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعجمي ، والأعرابي. قال : فاستمع وقال : «اقرءوه فكل حسن ، سيأتي قوم يقومونه كما يقومون القدح ، يتعجلونه ولا يتأملونه».
وعن سهل بن سعد الساعدي قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحن نقترئ يقرئ بعضنا بعضا فقال : «الحمد لله كتاب الله واحد فيه الأحمر والأسود اقرءوا اقرءوا قبل أن يجيء قوم يقومونه كما يقومون القدح ، ولا يجاوز تراقيهم يتعجلون أجره ولا يتأملونه» ، ففصل صلىاللهعليهوسلم في هذين الحديثين بين التلاوة والمتلو ، والقراءة