فيدل على صحة ذلك ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقطع قراءته آية آية ، ولو شاء العاد أن يعدها أحصاها. وهذا يدلك على أن القراءة تنعد وتنحصر ، والمقروء القديم لا ينعد ولا ينحصر فافهم ذلك.
ويدل على ذلك أيضا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت : أكان النبي صلىاللهعليهوسلم يرفع صوته بالقرآن؟ قالت : ربما رفع وربما خفض. ويدل عليه أيضا ما روي عن البراء بن عازب قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ في العشاء بالتين والزيتون ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه.
ويدل عليه أيضا ما روي عن أنس أنه قال : ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه ، وحسن الصوت وكان نبيكم صلىاللهعليهوسلم حسن الوجه وحسن الصوت إلا أنه كان لا يرجّع. وأيضا ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر رضي الله عنه : «ما لك إذا قرأت لا ترفع صوتك» قال : إني أسمع من أناجي. وقال لعمار : «ما لك إذا قرأت تأخذ من هذه السورة ومن هذه السورة؟ فقال : سمعتني أخلط به ما ليس منه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فكله طيب» فموضع الدليل : أن الرسول عليهالسلام أضاف قراءة كل واحد وصوته إليه ، وذكر أنها قراءة مختلفة ، وأضاف إلى كل واحد صفته من القراءة والصوت ، ولم يضف إلى كلام الله تعالى شيئا من ذلك فافهم.
وأيضا ما روي عن أم هانئ رضي الله عنها قالت : كنت أسمع قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا علي عريشي. وأيضا ما روى جبير بن مطعم قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يصلي بأصحابه المغرب ، فسمعته وهو يقرأ ، وقد خرج صوته من المسجد : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨)) [الطّور : ٧ ، ٨] فكأنما صدع قلبي ، ويقال إن هنا كان سبب إسلامه ، لأنه جاء يكلم الرسول صلىاللهعليهوسلم في أسارى بدر ، فلما سمع قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحسن صوته قال : فكأنما صدع قلبي ، وكأني بالعذاب قد أحاط بي ، فصدقت وآمنت من ساعتي. وهذا الحديث أدل دليل على الفرق بين القراءة والمقروء ، وأن الصوت صفة الصائت والقارئ دون كلام الباري ، لأن الذي صدع قلبه وهداه إنما هو الذي فهمه من كلام الله تعالى الذي أوعد به المستكبرين ؛ فعلو الصوت من قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم صفة للرسول عليهالسلام ، والذي صدق به قلبه هو ما فهمه من كلام الله تعالى الذي سمعه بواسطة قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلو صوته ،