يقول الهاء والواو كلام الله ؛ لأن من أسقط شيئا من كلام الله كفر (١) ولا خلاف بين المسلمين أنهما على الحق ، وربما رجحوا قراءتهما على غيرهما ، فلم يبق إلا أن الحروف آلة للقراءة تسقط تارة وتثبت أخرى ، والمقروء المتلو ثابت لا يحتمل النقصان ولا الزيادة ، لأنه قديم لكن المخلوق يجوز ثبوته تارة وإسقاطه أخرى.
* * *
فصل
فإن احتجوا على إثبات قدم الحروف ، وأن كلام الله القديم يتصف بالحروف ، بما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أنزل القرآن على سبعة أحرف».
فالجواب : أنه لا حجة في هذا الحديث من وجوه عدة ، لأنكم تخالفون هذا الحديث. لأن الرسول قال على سبعة أحرف ، وأنتم على ثمانية وعشرين حرفا ، فقد أسقطتم متن هذا الحديث ، ولم تقولوا به ، فلا حجة لكم فيه.
جواب آخر : وهو أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أنزل على سبعة أحرف» ولم يقل تكلم الله بحرف ، وأنتم إنما تريدون إثبات الحرف لكلامه ، لا نزول كلامه فلا حجة لكم فيه.
جواب آخر : وهو أن قوله عليهالسلام على سبعة أحرف ، لم يرد بها حروف التهجي ، وإنما أراد بها غير ذلك ، بإجماع أهل العلم من الصحابة والتابعين ، ولأنه روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه فسر ذلك بغير حروف التهجي ، لأنه قال : «على سبعة أحرف» ثم فسرها فقال : «أمر ، ونهي ، وترغيب ، وترهيب ، وجدل ، ومثل ، وقصص» وقال بعض الصحابة والتابعين يعني على سبع لغات ، مما لا يغير حكما من تحليل ولا تحريم ، مثل قوله تعالى : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) [القصص : ٣١] فكانوا لا يفرقون بين قول التالي أقبل أو هلم ، أو يقال : لأن معانيها متفقة وإن اختلفت اللغات فيها ، وما جرى هذا المجرى ، وكانوا في صدر الإسلام مخيرين فيها ، فلما اجتمعت الصحابة رضي الله عنهم عند جمع القرآن على أحدها ، وهو قوله (أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) منع هذا الإجماع من غير أقبل إلى هلم وتعال. ونحو ذلك ، وقيل عن بعض الصحابة والتابعين : إن قوله على سبعة أحرف أراد بذلك على سبع لغات للعرب ، في صيغة
__________________
(١) والإسقاط والزيادة في مثل هذه المواضع متواتران ؛ فيكونان في حكم آيتين فلا وجاهة في هذا الجواب. وكفى باقي الأجوبة (ز).