فصل
فإن احتجوا على أن الله تعالى متكلم بحروف ، بما يروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات ، أما إني لا أقول ألم حرف ، لكن الألف حرف ، واللام حرف ، والميم حرف» قالوا : فدل على [أنه] تكلم بحروف ، فالجواب من وجوه :
أحدها : أن الحديث لا حجة فيه على ما تريدون ، لأنه لم يقل تكلم الله بحروف ، وإنما قال : من قرأ فله ؛ وهذا لا حجة فيه.
جواب آخر : وهو أن الأجر إنما يقع على الطاعة التي هي القراءة ، لا على القديم الذي هو كلام الله ، ونحن نقول : إن الحرف عائد إلى القراءة لا إلى المقروء ، والذي يحقق ذلك أنه إذا جلس اثنان حافظان لكلام الله تعالى وهما ساكنان ؛ أليس كل واحد منهما معه كلام الله في صدره ، كما أخبر تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت : ٤٩] ولا يحكم بأن لكل واحد منهما حسنة ، وإن كان كلام الله موجودا معهما ؛ فإذا قرأ أحدهما وسكت الآخر ، أليس يحصل للقارئ بكل حرف عشر حسنات ، لوجود القراءة منه ، وليس للساكت منهما هذه الحسنات ، وإن كان معه كلام الله القديم على الوجه الذي ذكرنا ، وإنما زاد عليه هذا ، بأن وجدت منه القراءة التي هي حروف وفعل منه يسمى طاعة ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أفضل عبادات أمتي قراءة القرآن» فصحّ أن الثواب على الفعل الذي هو طاعة ، لا على الكلام القديم ، فكان الحرف صفة التلاوة لا صفة المتلو.
جواب آخر : وهو أنه قد روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه أضاف الحرف إلى التلاوة ، لا إلى كلام الله القديم ، وهو ما روى عبد الله بن مسعود أن الرسول قال : «تعلموا القرآن فإنه مأدبة الله فتعلموه واتلوه فإنكم تؤجرون على تلاوته بكل حرف عشر حسنات».
فأضاف الحرف إلى التلاوة لا إلى المتلو ، فصحّ ما قلناه ، وبطل ما توهم الجاهل أنه حجة له.
* * *
فصل
فإن احتجوا في إثبات الصوت لكلام الله تعالى ، وأنه متكلم بأصوات ، بما روي في الحديث : «إذا كان يوم القيامة نادى الله تعالى بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه