جواب آخر : وهو أن كل ما أضيف إلى الله تعالى لا يجب أن يكون صفة له ، فمن زعم هذا فقد كفر وأشرك لا محالة ، لأن الخبر قد جاء بقول الله تعالى : «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ، جعت فلم تطعمني ، عطشت فلم تسقني ، عريت فلم تكسني» فأضاف هذه الأشياء إليه في الخبر ، ومن زعم أنه يجوع ويعطش ، ويمرض ويعرى ، فقد كفر وأشرك لا محالة. وكذلك قال تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [الأنعام : ٧٣] على قراء من قرأ بالنون [المفتوحة] والنافخ إسرافيل. وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ) [الأحزاب : ٥٧] فأضاف الأذية إليه ، ومن زعم أن الأذية من صفته فقد كفر لا محالة ، فلم يبق إلا أن النداء والصوت حصل من الصائت المأمور ، لا من الآمر ، لكن لما كان بأمره جاز أن يضاف إليه ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ) [الأعراف : ٥٢] وإنما جاء به محمد عليهالسلام بأمره. وقال تعالى : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) [القمر : ٣٧] والطامس جبريل ، وميكائيل طمسا أعين قوم لوط ، لكن لما كان بأمره أضافه إلى نفسه وكذلك يقال : رجم وجلد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإنما الراجم والجالد غيره ، لكن لما كان بأمره حسن أن يضاف إليه. فافهم الحق لتبطل به الباطل.
فإن احتجوا بما روي : أن الله تعالى إذا تكلم الله بالوحي ، وروي بالأمر من الوحي جاء له صوت كجر السلسلة على الصفا (١). فالجواب عن هذا من وجوه عدة :
أحدها : أن هذا هو الحجة عليكم ، لأن هذا الصوت خلاف ذلك الصوت الذي في الخبر الأول ، لأن ذلك قال فيه «يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب» وهذا الصوت إنما يسمعه بعض الملائكة ، فصحّ أن هذا الصوت خلاف ذلك الصوت ، ولو كان الصوت صفة قديمة لما اختلف ولا تغير لأن القديم لا يجوز عليه الاختلاف ، ولا التغير ، فلما اختلف وتغير دلّ أن ذلك صفة الخلق لا صفة الحق. فافهم.
جواب آخر : وذلك أنه قال : إذا تكلم الله بالوحي ، جاء له صوت ، ولم يقل إذا تكلم الله بصوت فالوحي غير الموحي ، لأن الموحي كلام الله تعالى ، والوحي إنزال كلام الله ، وإعلام كلام الله ، والذي يدل على صحة ذلك القرآن. وذلك أن الله تعالى فصل بينهما فقال : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً) [الشّورى : ٧] فالوحي إنزال القرآن ،
__________________
(١) والمحفوظ هو الموقوف ، كما ذكره الدار قطني في العلل ، ولا يحتج بالموقوف في باب الصفات ، والسكري في (خلق الأفعال) مختلط لا يحتج به عند ابن أبي حاتم ، وفي سند خبر الصوت عنعنة الأعمش وهو مدلس. راجع ما ذكرناه فيما علقناه على الأسماء والصفات (ز).