وإعلام القرآن ، وإفهام القرآن الذي هو كلام الله تعالى ، وقال تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) [النّساء : ١٦٣] أي أنزلنا إليك وأفهمناك كلامنا القديم ، كما أنزلنا وأفهمنا من قبلك كلامنا القديم فالإفهام لم يكن ثم كان. وأما المفهوم الذي هو كلام الله القديم فهو موجود ثابت قبل الإفهام وبعده على صفة واحدة ، لا يختلف ولا يتغير.
جواب آخر : وهو أن هذا الحديث قد روي من طرق عدة ، وأضيف إليه الصوت المشبه بجر السلسلة إلى الخلق ، لا إلى كلام الحق ، فمن ذلك ما روى النواس بن سمعان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا تكلم الله بالوحي أخذت السموات منه رجفة شديدة من خوف الله تعالى ، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخرّوا سجدا ، وأول من يرفع رأسه جبريل عليهالسلام ؛ فتكلم الله من وحيه بما أراد ، فينتهي به جبريل عليهالسلام على الملائكة ، كلما مرّ بسماء سأل أهلها ما ذا قال ربنا؟ فيقول جبريل الحق ، وهو العلي الكبير» فثبت أن الصوت المشبه بالسلسلة صوت رجفة السموات ، لأنهم سمعوا صوت رجفة السموات لا كلام الله تعالى ، ولهذا سألوا جبريل الله تعالى ما ذا قال ربنا ، فدلّ على أنهم لم يسمعوا كلامه ، وإنما سمعوا صوت رجفة السماوات ، التي شبهت بحر السلسلة ، لأنهم لو سمعوا ما سمع جبريل لفهموا كما فهم جبريل.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله ، كأنه سلسلة على صفوان» فأضاف الرسول عليهالسلام هذا الصوت المشبه إلى صوت أجنحة الملائكة ، لا إلى كلام الله تعالى وحديث أبي هريرة هذا صحيح. أخرجه البخاري ، وحديث النواس أخرجه مسلم في كتابه ، وروى أبو الضحى مسروق ، عن عبد الله أنه قال : «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان» وفي رواية : «سمع أهل السماء للسماء صلصلة» وليس في شيء من هذه الروايات إذا تكلم الله سمعوا من الله صلصلة ، وإنما سمعوا من السماء إذا أحدث الله فيها رجفة ، وجعل ذلك علامة لأهل السموات. يعلمون بها أن الله تعالى تكلم بالأمر ، وأن المخصوص بسماع كلامه جبريل عليهالسلام ، ولهذا سألوه ما ذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول : قال الحق. فيقولون : قال الحق. فيصفون الله تعالى بقول الحق ، لا بالصلصلة والصوت ، فصار هذا الحديث حجة عليهم لا لهم.