فصل
فإن احتجوا بخبر روي ؛ وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : «من حفظ القرآن فاختلط بلحمه ودمه ...» قالوا : وهذا يدل على حلوله واختلاطه بلحوم الحفاظ ودمائهم في حال صغرهم. فالجواب عن هذا من أوجه :
أحدها : أن هذا الحديث يرويه إسماعيل (١) بن رافع ، وعمر (٢) بن طلحة ، وهما ضعيفان جدا ، لا يؤخذ بقولهما في هذا ولا غيره.
الثاني : أن الصبيان الحفاظ للقرآن كثير ، وكلام الله تعالى قديم ، وشيء واحد ، فإذا اختلط بدم صبي ولحمه على زعمهم وامتزج واختلط فكيف يمتزج بلحم آخر ودمه ؛ إذا الشيء الواحد إذا اختلط وامتزج بشيء استحال امتزاجه بغيره ، نعوذ بالله من هذا المذهب الذي يؤدي القول به إلى اختلاط الصفة القديمة وامتزاجها بدم المخلوقين ولحومهم ، ولعمري أن قول النصارى دون هذا ، لأن النصارى ؛ إنما تقول كلمة واحدة قديمة اختلطت بجسم واحد وهو جسم المسيح عليهالسلام ، حتى صار الجسم لاهوتيا من أجل الكلمة ، ناسوتيا من جهة مريم عليهاالسلام ، فاختلط عندهم القديم بالمحدث اختلاط الماء باللبن ، فوافقتهم هذه المقالة الخبيثة ، وزادوا عليهم ، لأنهم قالوا : جسم واحد اختلط به القديم ، وهؤلاء يقولون اختلط القديم بألف ألف جسم وأكثر ، نعوذ بالله من هذا القول الذي لا يقوله من له مسكة من حس وعقل.
الجواب الثالث : أن هذا الحديث إن صح ، فمراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن الحفظ في الصغر أجود وأثبت من الحفظ في حال الكبر ، ويعني باختلاطه باللحم والدم جودة الحفظ ، لا اختلاط المحفوظ الذي هو كلام الله القديم. وصار هذا كقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) [البقرة : ٩٣] يعني حب العجل ، لأن العجل لا يدخل ولا يحل في القلوب ، وإنما يدخل ويحل حبه. هذا أيضا كما يقال : التعليم في الصغر كالنقش في الحجر. والتعليم في الكبر كالنقش في المدر ، يريدون بذلك أن الحفظ في الصغر أثبت وأبقى منه في حال الكبر.
* * *
__________________
(١) قال النسائي : متروك (ز).
(٢) قال الذهبي : لا يكاد يعرف (ز).