سما للمسموم به. فكما أن الله تعالى خلق الظلمة لليل والضياء للنهار ، والحمرة للأحمر ، والسواد للأسود ، والسم للحية ، ولا يوجب ذلك كونه ظلمة ولا ضياء ولا سوادا ولا حمرة ولا سما [له] فكذلك خلق الطاعة طاعة للطائع بها ، والكذب كذبا للكاذب به ، والجور جورا للجائر به ولا يوجب ذلك كونه جائرا ولا ظالما ولا كاذبا ، فصحّ ما قلناه وبطل ما قالوه.
جواب آخر : وذلك أن الظلم والكذب والجور ليس من حيث الصورة والفعل ، وإنما يكون كذبا إذا خالف الأمر ، وكذلك الجور والظلم ، وهذا كله يصح الوصف به لمن فوقه آمر أمره ، وناه نهاه ، وهم الخلق. وأما الخالق فليس فوقه آمر ولا ناه ، فلا يصح وصفه بشيء من هذا ، فاعلم ذلك وتحققه ، فإنه أصل قوي تدفع به جميع ظنونهم الفاسدة.
فإن قيل : لا يجوز أن يقال للجور والكذب هذا خلق الله ، بل يعرض عن ذلك ، ولا يقال. فصحّ أنه خلق لغيره.
فالجواب : أن هذا السؤال غير صحيح ، لأنك [إن] أردت الإطلاق في العموم ، فجائز بأن تقول : يا خالق المخلوقات ، ويا خالق الموجودات. ويا خالق كل شيء ، ويا خالق الضر والنفع. وإن أردت ذلك على الخصوص ، بأن تقول : يا خالق الكذب والجور ؛ فلا يجوز من طريق الأدب والإذن في ذلك ، كما أنا نقول يا خالق المخلوقات ، فيعم بذلك السموات ، والأرض ، والشمس ، والقمر ، والقردة ، والخنازير ، والكلاب ، والجعلان ، وغير ذلك من سائر المخلوقات ، فلا يجوز أن تقول على الانفراد يا خالق الأقدار والأنجاس ونحو ذلك من طريق الأدب ، وأنه لم يؤذن لنا في ذلك ، بل ندعوه بأسمائه الحسنى كما أمر ، فقال : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [الأعراف : ١٨٠].
مسألة
اعلم أنه لا يجري في العالم إلا ما يريده الله تعالى ، وأنه لا يؤمن مؤمن ولا يكفر كافر إلا بإرادة الله تعالى ، ولا يخرج مراد عن مراده ، كما لا يخرج مقدور عن قدرته. وقالت المعتزلة ومن وافقهم من أهل البدع : إن الله تعالى لا يريد إلا الطاعة والإيمان ، فأما من كفر وعصى فقد أتى بما ليس بمراد لله تعالى ، وقالوا : إن كل واحد يفعل من الأفعال ما لا يريده الله تعالى ، حتى انتهى بهم القول إلى : أن البهائم تفعل أفعالا لم يردها تعالى ، وأنه لو أراد فعل غيرها منهم لم يحصل ذلك له وامتنع