وقاية المؤمنين شر ذنوبهم يوم القيامة ، ولم يذكر فيها زيادة الثواب ، وإنما أخبر عنهم يقولون : (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) [غافر : ٩] فصحّ أن الشفاعة في الذنوب والسيئات أن يغفر لها ويتجاوز عنها ، لا ما ذكرتم يا فرقة الضلال.
فأما الأدلة على صحة الشفاعة ، فقد ذكرناها من الكتاب والسنة ، لكن نجدد هاهنا طرفا منها. أما من القرآن فقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [الإسراء : ٧٩] روي [عن] أنس بن مالك ، وأبي سعيد الخدري وجماعة من الصحابة لا يحصون عددا : أن ذلك في الشفاعة ، ثم ذكروا ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم في أخبار يطول ذكرها وشرحها. وقد ثبت عنه صلىاللهعليهوسلم قوله : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» وهذا فيه الحجة على الفريقين ممن أنكر الشفاعة أصلا ، ومن قال إنها لغير أهل الكبائر. وقال : صلىاللهعليهوسلم : «أشفع إلى ربي فيحد لي حدا فأخرجهم من النار ، ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرجهم من النار» ثم ذكر الحديث إلى أن قال : «حتى لا يبقى أحد من أهل الإيمان في النار ، ولو كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» وهذا الحديث صريح في الحجة على كل من الفريقين من المعتزلة. وأخبار الشفاعة كثيرة جدا ، وقد قدّمنا منها ما فيه الكفاية وزيادة ، ولأن الشفاعة في أقل الدارين من أقل الشفعاء تكون في الذنوب وغيرها ، فما ظنك بالشفاعة في أعلى الدارين من أعلى الشفعاء عند الله عزوجل ، حتى ذكر في بعض الأخبار أنه صلىاللهعليهوسلم يغبط بذلك المقام ، يغبطه به الأولون والآخرون ، ثم تكون الشفاعة فيمن لا كبيرة له ، وإنكار هذا جهل وعناد وطعن في القرآن وصحيح الأخبار.
* * *
فصل
نذكر فيه شبها لهم يرومون بذلك دفع الأخبار الصحاح المجمع على صحتها في صحة الشفاعة ، ونحن نجيب عنها بعون الله وحسن توفيقه. فإن قالوا : هذه الأخبار تعارض بمثلها ، فإنه قد روى الحسن البصري وغيره عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي» فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن هذا عن الحسن لم يصح ، ولم يرد في [خبر] صحيح ولا في سقيم ، وإنما هو اختلاق وكذب ، ولا يعارض الآثار الصحاح المتفق على صحتها ، ثم لو جاز أن يكون قد روي فلم يسقط الصحيح المجمع على صحته بالضعيف السقيم الذي لا أصل له. مع إمكان الجمع بين الكل ، واستعمال الجميع ، فتحمل صحاح