بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب ما جاء في القرآن العظيم من ذلك
قال اللّه سبحانه وتعالى: و (يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ) [الرّحمن: ٢٧](١). قال المفسرون: يبقى ربك، وكذا قالوا في قوله تعالى: (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام: ٥٢] أي يريدونه، وقال الضحاك وأبو عبيدة: (كُلُّ شَيْءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ) [القصص: ٨٨] أي إلا هو.
وقد ذهب الذين أنكرنا عليهم إلى أن الوجه صفة يختص باسم زائد على الذات. فمن أين قالوا هذا وليس لهم دليل إلا ما عرفوه من الحسيات، وذلك يوجب التبعيض، ولو كان كما قالوا كان المعنى أن ذاته تهلك إلا وجهه، وقال ابن حامد: أثبتنا اللّه تعالى وجها ولا يجوز إثبات رأس. قال: ولقد اقشعر بدني من جراءته على ذكر هذا، فما أعوزه في التشبيه غير الرأس.
ومنها قوله تعالى: و (لِتُصْنَعَ عَلىٰ عَيْنِي) [طه: ٣٩]، (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنٰا) [هود: ٣٧] (٢). أي بمرأى منا، وإنما جمع لأن عادة الملك أن يقول أمرنا ونهينا.
وقد ذهب القاضي (أبو يعلى) إلى أن العين صفة زائدة على الذات وقد سبقه أبو بكر بن خزيمة (٣). فقال في الآية: لربنا عينان ينظر بهما، وقال ابن حامد: يجب الإيمان أن له عينين.
__________________
(١) قال الزمخشري في الكشاف: (وَجْهُ رَبِّكَ) [الرّحمن: ٢٧] ذاته، والوجه يعبّر به عن الجملة والذات، ومساكين مكة يقولون: أين وجه عربي كريم ينقذني من الهوان.
(٢) يقول الزمخشري: بِأَعْيُنِنٰا [هود: ٣٧] في موضع الحال بمعنى اصنعها محفوظا وحقيقته ملتبسا بأعيننا كأن للّه معه أعينا تكلؤه أن يزيغ في صنعته عن الصواب وأن لا يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه. ه ويقول الرازي في أساس التقديس عند الكلام على العين: لا بد من المصير إلى التأويل وذلك هو أن يحمل هذه الألفاظ على شدة العناية والحراسة، والوجه في حسن هذا المجاز أن من عظمت عنايته بشيء وميله إليه ورغبته فيه كان كثير النظر إليه فجعل لفظ العين التي هي آلة لذلك النظر كناية عن شدة العناية.
(٣) هو محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري توفي عام أحد عشر وثلاثمائة، يعد في أكابر المحدثين، كان يورع نفسه عن الخوض في مسائل الكلام وينهي أصحابه عنه، ثم اضطره بعض أهل النظر إلى الدخول في هذه المآزم فزلّت قدمه وخرج إلى وجوه غير معقولة سامحه اللّه (ز).