مداركه. وأما من جمع بين الرواية والدراية على زعمه وألف في ذات الله وصفاته ، وصدر منه مثل هذا فلا يوجد بين علماء أهل السنة من يعذر مثله بل أطبقت كلماتهم على إلزامه مقتضى كلامه ، وليس لعالم عذر في الميل إلى شيء من التشبيه والقرمطة لظهور سقوطهما لكل ناظر. قال القاضي أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم : «ما لقيت طائفة إلا وكانت لي معهم وقفة عصمني الله منها بالنظر ـ بتوفيقه ـ إلا الباطنية والمشبهة فإنهما زعنفة تحققت أنه ليس وراءهما معرفة فقذفت نفسي كلامهما من أول مرة» اه. بل لا يتصور أن يميل إلى أحدهما عاقل إلا إذا كان له غاية إلحادية ، وأنى يستعجم على عالم باللسان العربي المبين ما في كتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم من الدلالة على تنزيه الله جلّ شأنه من الجسمية والجسمانيات والمادة والماديات ، بخلاف العامي الذي هو قريب العهد من الجاهلية.
فضل علماء أصول الدين في حراسة الدين
جزى الله علماء أصول الدين عن الإسلام خيرا ، فإن لهم فضلا جسيما في صيانة عقائد المسلمين بأدلة ناهضة مدى القرون أمام كل فرقة زائغة ، وإنما يكون التعويل في كل علم على أئمته دون من سواهم ، لأن من يكون إماما في علم كثيرا ما يكون بمنزلة العامي في علم آخر ، فإذا لا يعول في العقائد إلا على أئمة أصول الدين لا على الرواة البعيدين عن النظر ، وكم بينهم من يرثي لمداركه حيث يقل عقله عن عقول الأطفال وإن بلغ في السن مبلغ الرجال. ومن طالع ما ألفه بعض الرواة على طول القرون من كتب في التوحيد والصفات والسنة والردود على أهل النظر يشكر الله سبحانه على النور الذي أفاضه على عقله حتى نبذ مثل تلك الطامات بأول نظرة.
محاولة ابن تيمية بعث الحشوية من مرقدها
وقد استمرت فتن المخدوعين من الرواة على طول القرون مجلبة لسخط الله تعالى ولاستسخاف العقلاء من غير أن يخطر ببال عاقل أن يناضل عن سخافات هؤلاء ، إلى أن نبغ في أواخر القرن السابع بدمشق حراني تجرد للدعوة إلى مذهب هؤلاء الحشوية السخفاء متظاهرا بالجمع بين العقل والنقل على حسب فهمه من الكتب بدون أستاذ يرشده في مواطن الزلل ، وحاشا العقل الناهض والنقل الصحيح أن يتضافرا في الدفاع عن تخريف السخفاء إلا إذا كان العقل عقل صابئ والنقل نقل صبي ، وكم انخدع بخزعبلاته أناس ليسوا من التأهل للجمع بين الرواية والدراية في شيء وله مع خلطائه هؤلاء موقف في يوم القيامة لا يغبط عليه. ومن درس حياته