لأن الإعادة في الشاهد فعل على مثال وهو أهون من الابتداء لأنه فعل على غير مثال مع اشتراكهما في الإخراج من العدم إلى الوجود. وعند هذا المتخلف ما أخرج المعاد من العدم إلى الوجود بل من صفة إلى صفة يتعالى الله عن قوله فهذا القول منه بما دلّ عليه من أن الإبراز من العدم إلى الوجود في الإعادة غير مقدور ، كفر إلا إذا تأول على الوقوع مع الموافقة على الإمكان وليس ظاهر الكلام ففي قبول قوله إذا ادعاه نظر لأن هذا يتكرر وتكرير هذه الأمور يشبه الزندقة.
فصل
زعم الناظم قيام الله بالحوادث
قال : «وقضى بأن الله ليس بفاعل فعلا يقوم (١) به بلا برهان» مقصود الناظم أن الله يفعل فعلا في ذاته فيكون محلا للحوادث ، تعالى الله عن قوله ، فنسب إلى جهم خلاف قوله وأنه قول بلا برهان. وهذا الناظم لا يعرف حقيقة البرهان ثم قال : «والجبر مذهبه» إن أراد نفس جهم فهو ليس بموجود والكلام معه ضياع ، وإن أراد الأشعري فقد كذب في قوله (إن الجبر مذهبه) ثم قال : «لكنهم حملوا ذنوبهم على رب العباد» هذا كذب أيضا عليهم فإن الجبرية يقولون إن الله تعالى يعذب من يشاء بذنب وبغير ذنب ، له ذلك (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] وقوله :
«وتبدءوا منها وقالوا إنها |
|
أفعاله ما حيلة الإنسان» |
__________________
(١) قال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر البغدادي في كتاب (الأسماء والصفات) : إن الأشعري وأكثر المتكلمين قالوا بتكفير كل مبتدع كانت بدعته كفرا أو أدّت إلى كفر ، كمن زعم أن لمعبوده صورة أو أن له حدّا ونهاية أو أنه يجوز عليه الحركة والسكون ... ولا إشكال لذي لب في تكفير الكرامية مجسمة خراسان في قولهم إنه تعالى جسم له حد ونهاية من تحته وأنه مماس لعرشه وأنه محل الحوادث وأنه يحدث فيه قوله وإرادته اه (راجع الفتاوى الحلبيات في أجوبة المؤلف عن ٦٤ مسألة سأله عنها الشهاب الأذرعي) وكثيرا ما ترى الناظم يلهج بقيام الأفعال الحادثة بالله تعالى وينطق بلوازم الجسمية والتشبيه بكل صراحة وفي مثله قال القائل :
كم تزرع التشبيه في |
|
سنخ القلوب فما انزرع |
فاهجر دمشق وأهلها |
|
واسكن ببصرى أو زرع |
فهناك يمكن أن يص |
|
دق ما تقول ويستمع |
وحق أمصار المسلمين أن لا تروج فيها أمثال تلك الأباطيل ، وإن ترج فإنما تروج في مثل بصرى بلد ابن زكنون أو زرع بلد الناظم أو تلك القفار التي لا يشع فيها نور غير نور الشمس.