فصل
عقد مجلس خيالي .. كلامه في وحدة الوجود
وهذا أول عقد مجلس التحكيم. قال :
واحكم إذا في رفقة قد سافروا |
|
يبغون فاطر هذه الأكوان |
فترافقوا في سيرهم وتفارقوا |
|
عند افتراق الطرق بالحيران |
فأتى فريق ثم قال وجدته |
|
هذا الوجود بعينه وعيان |
فهو السماء بعينها وهو الغمام بعينه وهو الهواء بعينه ، هذي بسائطه ومنه تركبت هذي المظاهر (١) يلبسها ويخلعها وتكثر الموجود كالأعضاء في المحسوس أو كالقوى في النفس. هذه مقالة ، أو كتكثر الأنواع في جنس فيكون كليا وجزئياته هذا الوجود (٢)
__________________
(١) فتكون المظاهر على ما صوّره الناظم محلا له تعالى ، تعالى الله عن ذلك ، وأما كون الشيء مجلى لشيء فلا يفيد كونه محلا له ، فإن الظاهر في المرآة مثلا خارج عنها بذاته قطعا بخلاف الحال في محل ، فإنه حاصل فيه فالظهور غير الحلول فإن الظهور يجامع التنزيه بخلاف الحلول عند أشياع الشيخ الأكبر ، وأما كونه كلّا والكون جزءا له على ما ذكره الناظم فعلى خلاف ما اشتهر عنهم أن العالم أعراض مجتمعة في عين واحد كالثلج مع الماء ، تعالى الله عما يأفكون ، والواجب تعالى عندهم هو الوجود المحض المجرد عن الماهية القائم بذاته المتعين بذاته المطلق حتى عن قيد الإطلاق بمعنى أنه واحد شخصي موجود بوجود هو نفسه فلا يكون المطلق عندهم بمعنى الكلي حتى يرد على ذلك ما أورده السعد في شرح المقاصد من تسعة أوجه ، وأول من نطق بوحدة الوجود في الإسلام ـ فيما نعلم ـ هو جهم بن صفوان ، ولذلك ذهب إلى الجبر ، فكم فتح هذا الرأي من أبواب للإباحة والزندقة على شرار الخلق ، وإما القول بأن الممكن الوجود كلا موجود بالنظر إلى واجب الوجود لاحتياجه إليه بدءا ودواما فليس من الخطر في شيء كالقول بأن ذلك حالة خيالية تطرأ للسالك المقبل إلى الله بكليته ثم تنجلي كما ذكره السعد في شرح النسفية والناظم في كثير من كتبه ومن الصوفية من يتصور مسألة الوجود بحيث لا يخل بالتكليف والتنزيه ويقول إنه طور وراء طور العقل ولا كلام لنا فيما هو وراء طور العقل.
(٢) ولا وجود للكلي إلا في ضمن جزئياته فيكون الواجب هو العالم وهو عين مذهب الطبيعيين على تصوير الناظم خذلهم الله. على أن هذا التصوير يخالف ما قرره ابن سبعين في بدء العرف فليراجع. وترى شيخ الناظم ينسب إلى الصدر القونوي القول بأنه الموجود المطلق لا بشرط شيء وإلى ابن سينا القول بأنه الوجود المطلق بشرط الإطلاق فيعده نافيا للصانع باعتبار أن ما هو بشرط الإطلاق لا وجود له إلا في الأذهان ، لكن الفلاسفة ، ومنهم ابن سينا ، يرون أن الواجب هو الوجود المقيد بقيد التجرد ، بمعنى اللاعروض ، وهو مبدأ الكون كله ، فعلم أن شيخ الناظم لم يحك كلام ابن سينا على الوجه ، وتغابى عن فهمه كما سبق مثل ذلك. ورأى الصدر القونوي يظهر من مفتاحه. والحاصل أن بحث وحدة الوجود بحث خطر متشعب والموفق من وقاه الله شره ، وممن توسع في رد ذلك القاضي عضد الدين في المواقف.